عما لا يعنيه وفي اليوم الثالث عن العود إليه، وقيل كنى سبحانه بصيام ثلاثة أيام عن التوبة والاستقامة عليها ما دامت الدنيا، فقد قيل: الدنيا ثلاثة أيام، يوم مضى، ويوم أنت فيه، ويوم لا تدري ما الله سبحانه قاض فيه وَأَطِيعُوا اللَّهَ بالفناء فيه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ بالبقاء بعد الفناء وَاحْذَرُوا ظهور ذلك بالنظر إلى نفوسكم فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ ولم يقصر فيه فالقصور منكم لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا بالتقليد وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الأعمال البدنية الشرعية جُناحٌ فِيما طَعِمُوا من المباحات إِذا مَا اتَّقَوْا الشبهة والإسراف وَآمَنُوا بالتحقيق وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الأعمال القلبية الحقيقية من تخلية القلب عما سواه سبحانه ومن تحليته بالأحوال المضادة لهواه من الصدق، والإخلاص، والتوكل، والتسليم ونحو ذلك ثُمَّ اتَّقَوْا شرك الأنانية وَآمَنُوا بالهوية ثُمَّ اتَّقَوْا هذا الشرك وهو الفناء وَأَحْسَنُوا بالبقاء به جل شأنه قاله النيسابوري.
وقال غيره: ليس على الذين آمنوا الإيمان العيني بتوحيد الأفعال وعملوا بمقتضى إيمانهم أعمالا تخرجهم عن حجب الأفعال وتصلحهم لرؤية أفعال الحق جناح وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم واتخذوا الله تعالى وقاية في صدور الأفعال منهم وآمنوا بتوحيد الصفات وعملوا ما يخرجهم عن حجبها ويصلحهم لمشاهدة الصفات الإلهية بالمحو فيها ثم اتقوا بقايا صفاتهم واتخذوا الله تعالى وقاية في ظهور صفاته عليهم وآمنوا بتوحيد الذات ثم اتقوا بقية ذواتهم واتخذوا الله تعالى وقاية في وجودهم بالفناء المحض والاستهلاك في عين الذات وأحسنوا بشهود التفصيل في عين الجمع والاستقامة في البقاء بعد الفناء وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الباقين بعد فنائهم أو المشاهدين للوحدة في عين الكثرة المراعين لحقوق التفاصيل في عين الجمع بالوجود الحقاني يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالغيب لَيَبْلُوَنَّكُمُ في أثناء السير والإحرام لزيارة كعبة الوصول بشيء من الصيد أي الحظوظ والمقاصد النفسانية تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ أي يتيسر لكم ويتهيأ ما يتوصل به إليه.
وقيل: ما تناله الأيدي اللذات البدنية وما تناله الرماح اللذات الخيالية لِيَعْلَمَ اللَّهُ العلم الذي ترتب عليه الجزاء «من يخافه» بالغيب أي في حال الغيبة ولا يكون ذلك إلا للمؤمنين بالغيب لتعلقه بالعقاب الذي هو من باب الأفعال، وأما في الحضور فالخشية والهيبة دون الخوف، والأولى بتجلي صفات الربوبية والعظمة، والثانية بتجلي الذات، فالخوف كما قيل من صفات النفس والخشية من صفات القلب، والهيبة من صفات الروح «فمن اعتدى بعد ذلك» بتناول شيء من الحظوظ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ وهو عذاب الاحتجاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ أي في حال الإحرام الحقيقي وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً بأن ارتكب شيئا من الحظوظ النفسانية قصدا فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ بأن يقهر تلك القوة التي ارتكب بها من قوى النفس البهيمية بأمر يماثل ذلك الحظ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وهما القوتان النظرية والعملية هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ الحقيقية وذلك بإفنائها في الله عز وجل أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً أي أو يستر تلك القوة بصدقة أو صيام أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وهو ما في العالم الروحاني من المعارف وَطَعامُهُ وهو العلم النافع من علم المعاملات والأخلاق مَتاعاً أي تمتيعا لكم أيها السالكون بطريق الحق وَلِلسَّيَّارَةِ المسافرين سفر الآخرة، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ وهو في العالم الجسماني من المحسوسات والحظوظ النفسانية وَاتَّقُوا اللَّهَ في سيركم وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ بالفناء فاجتهدوا في السلوك ولا تقفوا مع الموانع وهو الله تعالى الميسر للرشاد وإليه المرجع والمعاد.