المخاطب قبل جعله وصفا له وكلاهما ضروري الانتفاء قطعا على أنه يستدعي اختصاص النهي بمسألة الحج ونحوها مع أن النظم الكريم صريح في أنه مسوق للنهي عن السؤال عن الأشياء التي يسوءهم إبداؤها سواء كانت من قبيل الأحكام والتكاليف الموجبة لمساءتهم بإنشائها وإيجابها بسبب السؤال عقوبة وتشديدا كمسألة الحج لولا عفوه تعالى عنها أو من قبيل الأمور الواقعة قبل السؤال الموجبة للمساءة بالإخبار بها كما في سبب النزول على ما
أخرج ابن جرير.
وغيره عن أبي هريرة قال:«خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين أبي؟ قال: في النار» ،
وفسر بعضهم العفو عنها بالكف عن بيانها والتعرض لشأنها وحينئذ يوشك أن لا يتوجه هذا الاعتراض أصلا، وإلى التفسير الأول يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج مجاهد عنه أنه كان إذا سئل عن الشيء لم يجىء فيه أثر يقول: هو من العفو ثم يقرأ هذه الآية. والذي ذهب إليه شيخ الإسلام عليه الرحمة هو الاستئناف لا غير لما علمت، واستبعاد بعض الفضلاء ليس في محله. ثم قال: إن قلت تلك الأشياء غير موجبة للمساءة البتة بل هي محتملة لإيجاب المسرة أيضا لأن إيجابها للأولى وإن كان من حيث وجودها فهي من حيث عدمها موجبة للأخرى قطعا وليست إحدى الحيثيتين محققة عند السائل وإنما غرضه من السؤال ظهورها كيف كانت بل ظهورها بحيثية إيجابها للمسرة فلما عبر عنها بحيثية إيجابها للمساءة قلت: لتحقيق المنهي عنه كما ستعرفه مع ما فيه من تأكيد النهي وتشديده لأن تلك الحيثية من الموجبة للانتهاء لا الحيثية الثانية ولا حيثية التردد بين الإيجابين، فإن قيل: الشرطية الثانية ناطقة بأن السؤال عن تلك الأشياء الموجبة للمساءة مستلزم لإبدائها فلم تخلف الإبداء في مسألة الحج ولم يفرض كل عام؟ قلنا: لوقوع السؤال قبل النهي وما في الشرطية إنما هو السؤال الواقع بعده إذ هو الموجب للتغليظ والتشديد لا تخلف فيه.
فإن قيل: ما ذكر إنما يتمشي فيما إذا كان السؤال عن الأمور المترددة بين الوقوع وعدمه كما ذكر في التكاليف الشاقة وأما إذا كان عن الأمور الواقعة قبله فلا يكاد يتسنى لأن ما يتعلق به الإبداء هو الذي وقع في نفس الأمر ولا مرد له سواء كان السؤال قبل أو بعد وقد يكون الواقع ما يوجب المسرة كما في مسألة ابن حذافة فيكون هو متعلق الإبداء لا غيره فيتعين التخلف حتما. قلنا: لا احتمال له فضلا عن تعينه فإن المنهي عنه في الحقيقة إنما هو السؤال عن الأشياء الموجبة للمساءة الواقعة في نفس الأمر قبل السؤال كسؤال من قال: أين أبي؟ لا ما يعمها وغيرها مما ليس بواقع لكنه محتمل الوقوع عند المكلفين حتى يلزم التخلف في صورة عدم الوقوع.
وجملة الكلام أن مدلول النظم الكريم بطريق العبارة إنما هو النهي عن السؤال عن الأشياء التي يوجب إبداؤها المساءة البتة إما بأن تكون تلك الأشياء بعرضية الوقوع فتبدى عند السؤال بطريق الإنشاء عقوبة وتشديدا كما في صورة كونها من قبيل التكاليف الشاقة، وإما بأن تكون واقعة في نفس الأمر قبل السؤال فتبدى عنده بطريق الإخبار بها فالتخلف ممتنع في الصورتين معا، ومنشأ توهمه عدم الفرق بين المنهي عنه وغيره بناء على عدم امتياز ما هو موجود أو بعرضية الوجود من تلك الأشياء في نفس الأمر وما ليس كذلك عند المكلفين وملاحظتهم للكل باحتمال الوجود والعدم، وفائدة هذا الإبهام الانتهاء عن تلك الأشياء على الإطلاق حذار إبداء المكروه انتهى وهو تحرير لم يسبق إليه وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ أي مبالغ في مغفرة الذنوب والإغضاء عن المعاصي ولذلك عفا سبحانه عنكم ولم يعاقبكم بما فرط منكم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما سبق من عفوه تعالى.
قَدْ سَأَلَها أي المسألة فالضمير في موقع المصدر لا المفعول به، والمراد سأل مثلها في كونها محظورة ومستتبعة للوبال قَوْمٌ وعدم التصريح بالمثل للمبالغة في التحذير، وجوز أن يكون الضمير للأشياء على تقدير