خبره إذا حضر أي وقوع الشهادة في وقت حضور الموت وحِينَ الْوَصِيَّةِ على الأوجه السابقة، ولا يجوز فيه أن يكون ظرفا للشهادة لئلا يخبر عن الموصول قبل تمام صلته أو خبره حِينَ الْوَصِيَّةِ. وإِذا منصوب بالشهادة ولا يجوز نصبه بالوصية وإن كان المعنى عليه لأن معمول المصدر لا يتقدمه على الصحيح مع ما يلزم من تقديم معمول المضاف إليه على المضاف وهو لا يجوز في غير- غير- لأنها بمنزلة لا. واثْنانِ على هذين الوجهين إما فاعل يشهد مقدرا أو خبرا لشاهدان كذلك.
وعن الفراء أن شَهادَةُ مبتدأ واثْنانِ فاعله سد مسد الخبر وجعل المصدر بمعنى الأمر أي ليشهد، وفيه نيابة المصدر عن فعل الطلب وهو ضعيف عند غيره لأن الاكتفاء بالفاعل مخصوص بالوصف المعتمد. وإِذا وحِينَ عليه منصوبان على الظرفية كما مر، وإضافة شَهادَةُ إلى الظرف على التوسع لأنه متصرف ولذا قرىء تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام: ٩٤] بالرفع، وقيل: إن الأصل ما بينكم وهو كناية عن التخاصم والتنازع، وحذف «ما» جائز نحو وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ [الإنسان: ٢٠] أي ما ثم، وأورد عليه أن ما الموصولة لا يجوز حذفها ومنهم من جوزه.
وقرأ الشعبي «شهادة بينكم» بالرفع والتنوين فبينكم حينئذ منصوب على الظرفية. وقرأ الحسن «شهادة» بالنصب والتنوين، وخرج ذلك ابن جني على أنها منصوبة بفعل مضمر اثْنانِ فاعله أي ليقم شهادة بينكم اثنان.
وأورد عليه أن حذف الفعل وإبقاء فاعله لم يجزه النحاة إلا إذا تقدم ما يشعر به كقوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [النور: ٣٦] في قراءة من قرأ «يسبّح» بالبناء للمفعول، وقول الشاعر: ليبك يزيد ضارع لخصومة.
أو أجيب به نفي أو استفهام وذلك ظاهر، والآية ليست واحدا من هذه الثلاثة.
وأجيب بأن ما ذكر من الاشتراط غير مسلم بل هو شرط الأكثرية، واختار في البحر وجهين للتخريج، الأول أن تكون شَهادَةُ منصوبة على المصدر النائب مناب فعل الأمر واثْنانِ مرتفع به، والتقدير ليشهد بينكم اثنان فيكون من باب ضربا زيدا إلا أن الفاعل في ضربا يستند إلى ضمير المخاطب لأن معناه اضرب، وهذا يستند إلى الظاهر لأن معناه ما علمت، والثاني أن تكون مصدرا لا بمعنى الأمر بل خبرا ناب مناب الفعل في الخبر وإن كان ذلك قليلا كقوله: وقوفا بها صحبي على مطيهم. فارتفاع صحبي وانتصاب مطيهم بقوله وقوفا فإنه بدل من اللفظ بالفعل في الخبر، والتقدير وقف صحبي على مطيهم والتقدير في الآية يشهد إذا حضر أحدكم الموت اثنان ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي
من المسلمين كما روي عن ابن عباس وابن مسعود والباقر رضي الله تعالى عنهم
وابن المسيب عليه الرحمة أو من أقاربكم وقبيلتكم كما روي عن الحسن وعكرمة، وهو الذي يقتضيه كلام الزهري وهما صفتان لاثنان أَوْ آخَرانِ عطف على اثْنانِ في سائر احتمالاته.
وقوله سبحانه: مِنْ غَيْرِكُمْ صفة له أي كائنان من غيركم، والمراد بهم غير المسلمين من أهل الكتاب عند الأولين وغير الأقربين من الأجانب عند الآخرين. واختار الأول جماعة من المتأخرين حتى قال الجصاص: إن التفسير الثاني لا وجه له لأن الخطاب توجه أولا إلى أهل الإيمان فالمغايرة تعتبر فيه ولم يجر للقرابة ذكر، ويدل لذلك أيضا سبب النزول وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي سافرتم، وارتفاع أَنْتُمْ بفعل مضمر ويفسره ما بعده، والتقدير إن ضربتم فلما حذف الفعل وجب أن يفصل الضمير ليقوم بنفسه، وهذا رأي جمهور البصريين، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه مبتدأ بناء على جواز وقوع المبتدأ بعد إن الشرطية كجواز وقوعه بعد إذا فجملة ضَرَبْتُمْ لا موضع لها على الأول للتفسير وموضعها الرفع على الخبرية على الثاني.