وجوز أن يكون ظرفا للفعل. والجملة إما استئناف مبين لتأييده عليه الصلاة والسلام أو في موضع الحال من الضمير المنصوب في «أيدتك» كما قال أبو البقاء. والمهد معروف. وعن الحسن أن المراد به حجر أمه عليهما السلام، وأنكر النصارى كلامه عليه الصلاة والسلام في المهد وقالوا إنما تكلم عليه السلام أو أن ما يتكلم الصبيان وقد تقدم مع جوابه.
وقوله تعالى: وَكَهْلًا للإيذان على ما قيل بعدم تفاوت كلامه عليه الصلاة والسلام طفولية وكهولة لا لأن كلّا منهما آية فإن التكلم في الكهولة معهود من كل أحد. وقال الإمام: إن الثاني أيضا معجزة مستقلة لأن المراد تكلم الناس في الطفولية وفي الكهولة حين تنزل من السماء لأنه عليه الصلاة والسلام حين رفع لم يكن كهلا. وهذا مبني على تفسير الكهل بمن وخطه الشيب ورأيت له بحالة أو من جاوز أربعا وثلاثين سنة إلى إحدى وخمسين وعيسى عليه الصلاة والسلام رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين قيل وثلاثة أشهر وثلاثة أيام.
وقيل: رفع وهو ابن أربع وثلاثين وما صح أنه عليه الصلاة والسلام وخطه الشيب، وأما لو فسر بمن جاوز الثلاثين فلا يتأتى هذا القول كما لا يخفى.
وقال بعض: الأولى أن يجعل «وكهلا» تشبيها بليغا أي تكلمهم كائنا في المهد وكائنا كالكهل. وأنت تعلم أن أخذ التشبيه من العطف لا وجه له وتقدير الكاف تكلف وَإِذْ عَلَّمْتُكَ عطف على «إذ أيدتك» أي واذكر نعمتي عليكما وقت تعليمي لك من غير معلم الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي جنسهما، وقيل: الكتاب الخط والحكمة الكلام المحكم الصواب وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ خصا بالذكر إظهارا لشرفهما على الأول.
وَإِذْ تَخْلُقُ أي تصور مِنَ الطِّينِ أي جنسه كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ أي هيئة مثل هيئته بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها أي في تلك الهيئة المشبهة فَتَكُونُ بعد نفخك من غير تراخ طَيْراً بِإِذْنِي أي حيوانا يطير كسائر الطيور وقرأ نافع ويعقوب «طائرا» وهو إما اسم مفرد وإما اسم جمع كباقر وسامر.
وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي عطف على «تخلق» وقوله سبحانه: وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي عطف على إِذْ تَخْلُقُ أعيدت فيه إِذْ كما قيل لكون إخراج الموتى من قبورهم لا سيما بعد ما صاروا رميما معجزة باهرة حرية بتذكير وقتها صريحا. وما في النظم الكريم أبلغ من تحيي الموتى فلذا عدل عنه إليه. وقد تقدم الكلام في بيان من أحياهم عليه الصلاة والسلام مع بيان ما ينفعك في هذه الآية في سورة آل عمران.
وذكر بِإِذْنِي هنا أربع مرات وثمة مرتين قالوا: لأنه هنا للامتنان وهناك للأخبار فناسب هذا التكرار هنا وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ يعني اليهود حين هموا بقتله ولم يتمكنوا منه.
إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي المعجزات الواضحة مما ذكر وما لم يذكر وهو ظرف لكففت مع اعتبار قوله تعالى: فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وهو مما يدل على أنهم قصدوا اغتياله عليه الصلاة والسلام المحوج إلى الكف أي كففتهم عنك حين قالوا ذلك عند مجيئك إياهم بالبينات، ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة. فكلمة من بيانية وهذا إشارة إلى ما جاء به. وقرأ حمزة والكسائي «إلا ساحر» فالإشارة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، وجعل الإشارة إليه على القراءة الأولى وتأويل السحر بساحر لتتوافق القراءتان لا حاجة إليه وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أي أمرتهم في الإنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلي.
وجاء استعمال الوحي بمعنى الأمر في كلام العرب كما قال الزجاج وأنشد: