للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحمد لله الذي استقلت ... بإذنه السماء واطمأنت

أوحى لها القرار فاستقرت أي أمرها أن تقر فامتثلت، وقيل: المراد بالوحي إليهم إلهامه تعالى إياهم كما في قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى وروي ذلك عن السدي وقتادة وإنما لم يترك الوحي على ظاهره لأنه مخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والحواريون ليسوا كذلك، وقد تقدم المراد بالحواريين.

وأن قوله تعالى: أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي مفسرة لما في الإيحاء من معنى القول، وقيل: مصدرية أي بأن آمنوا إلخ. وتقدم الكلام في دخولها على الأمر. والتعرض لعنوان الرسالة للتنبيه على كيفية الإيمان به عليه الصلاة والسلام والرمز إلى عدم إخراجه عليه الصلاة والسلام عن حده حطا ورفعا قالُوا آمَنَّا طبق ما أمرنا به وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ مخلصون في إيماننا أو منقادون لما أمرنا به.

إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ منصوب باذكر على أنه ابتداء كلام لبيان ما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين قومه منقطع عما قبله كما يشير إليه الإظهار في مقام الإضمار.

وجوز أن يكون ظرفا لقالوا وفيه- على ما قيل حينئذ- تنبيه على أن ادعاءهم الإخلاص مع قولهم هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ لم يكن عن تحقيق منهم ولا عن معرفة بالله تعالى وقدرته سبحانه لأنهم لو حققوا وعرفوا لم يقولوا ذلك إذ لا يليق مثله بالمؤمن بالله عز وجل. وتعقب هذا القول الحلبي بأنه خارق للإجماع. وقال ابن عطية: لا خلاف أحفظه في أنهم كانوا مؤمنين. وأيد ذلك بقوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ وبأن وصفهم بالحواريين ينافي أن يكونوا على الباطل وبأن الله تعالى أمر المؤمنين بالتشبه بهم والاقتداء بسنتهم في قوله عز من قائل: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ [الصف: ١٤] الآية. وبأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدح الزبير

«إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير»

والتزام القول بأن الحواريين فرقتان مؤمنون وهم خالصة عيسى عليه الصلاة والسلام والمأمور بالتشبه بهم وكافرون وهم أصحاب المائدة، وسؤال عيسى عليه الصلاة والسلام نزول المائدة وإنزالها ليلزمهم الحجة يحتاج إلى نقل ولم يوجد. ومن ذلك أجيب عن الآية بأجوبة فقيل: إن معنى «هل يستطيع» هل يفعل كما تقول للقادر على القيام: هل تستطيع أن تقوم مبالغة في التقاضي. ونقل هذا القول عن الحسن.

والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من التعبير عن المسبب بالسبب إذ هي من أسباب الإيجاد. وعلى عكسه التعبير عن إرادة الفعل بالفعل تسمية للسبب الذي هو الإرادة باسم المسبب الذي هو الفعل في مثل قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: ٦] إلخ. وقيل: إن المعنى هل يطيع ربك فيستطيع بمعنى يطيع ويطيع بمعنى يجيب مجازا ونقل ذلك عن السدي

وذكر أبو شامة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عاد أبا طالب في مرض فقال له: يا ابن أخي ادع ربك أن يعافيني فقال: اللهم اشف عمي فقام كأنما نشط من عقال فقال: يا ابن أخي إن ربك الذي تعبده يطيعك فقال: يا عم وأنت لو أطعته لكان يطيعك

أي يجيبك لمقصودك وحسن استعماله صلّى الله عليه وسلّم لذلك المشاكلة.

وقيل: هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة فكأنهم قالوا: هل إرادة الله تعالى وحكمته تعلقت بذلك أولا؟ لأنه لا يقع شيء بدون تعلقهما به.

واعترض بأن قوله تعالى الآتي: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لا يلائمه لأن السؤال عن مثله مما هو من علوم الغيب لا قصور فيه. وقيل: إن سؤالهم للاطمئنان والتثبت كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة: ٢٦٠] ومعنى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كنتم كاملين في الإيمان والإخلاص. ومعنى «نعلم أن قد

<<  <  ج: ص:  >  >>