للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدقتنا» نعلم علم مشاهدة وعيان بعد ما علمناه علم إيمان وإيقان. ومن هذا يعلم ما يندفع به الاعتراض.

وقرأ الكسائي وعلي كرم الله تعالى وجهه، وعائشة، وابن عباس، ومعاذ، وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم «هل» تستطيع ربك بالتاء خطابا لعيسى عليه الصلاة والسلام ونصب «ربك» على المفعولية. والأكثرون على أن هناك مضافا محذوفا أي سؤال ربك أي هل تسأله ذلك من غير صارف. وعن الفارسي أنه لا حاجة إلى تقدير والمعنى هل تستطيع أن ينزل ربك بدعائك. وأنت تعلم أن اللفظ لا يؤدي ذلك فلا بد من التقدير، والمائدة في المشهور الخوان الذي عليه الطعام من ماد يميد إذا تحرك أو من ماده بمعنى أعطاه فهي فاعلة إما بمعنى مفعولة كعيشة راضية، واختاره الأزهري في تهذيب اللغة أو بجعلها للتمكن مما عليها كأنها بنفسها معطية كقولهم للشجرة المثمرة:

مطعمة. وأجاز بعضهم أن يقال فيها ميدة واستشهد عليه بقول الراجز:

وميدة كثيرة الألوان ... تصنع للجيران والإخوان

واختار المناوي أن المائدة كل ما يمد ويبسط، والمراد بها السفرة، وأصلها طعام يتخذه المسافر ثم سمى بها الجلد المستدير الذي تحمل به غالبا كما سميت المزادة راوية. وجوز أن تكون تسمية الجلد المذكور سفرة لأن له معاليق متى حلت عنه انفرج فأسفر عما فيه. وهذا غير الخوان بضم الخاء وكسرها وهو أفصح ويقال له: إخوان بهمزة مكسورة لأنه اسم لشيء مرتفع يهيأ ليؤكل عليه الطعام، والأكل عليه بدعة لكنه جائز إن خلا عن قصد التكبر. وتطلق المائدة على نفس الطعام أيضا كما نص عليه بعض المحققين، ومِنَ السَّماءِ يجوز أن يتعلق بالفعل قبله وأن يتعلق بمحذوف وقع صفة لمائدة أي مائدة كائنة من السماء قالَ أي عيسى عليه الصلاة والسلام لهم حين قالوا ذلك: اتَّقُوا اللَّهَ من أمثال هذا السؤال واقتراح الآيات كما قال الزجاج. وعن الفارسي أنه أمر لهم بالتقوى مطلقا.

ولعل ذلك لتصير ذريعة لحصول المأمول فقد قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: ٢] وقال جل شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة: ٣٥] إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بكمال قدرته تعالى وبصحة نبوتي أو كاملين في الإيمان والإخلاص أو إن صدقتم في ادعاء الإيمان والإسلام قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها أكل تبرك. وقيل: أكل تمتع وحاجة. والإرادة إما بمعناها الظاهر أو بمعنى المحبة أي نحب ذلك والكلام كما قيل تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال أي لسنا نريد من السؤال إزاحة شبهتنا في قدرته سبحانه على تنزيلها أو في صحة نبوتك حتى يقدح ذلك في الإيمان والتقوى ولكن نريد إلخ أو ليس مرادنا اقتراح الآيات لكن مرادنا ما ذكر.

وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا بازدياد اليقين كما قال عطاء وَنَعْلَمَ علم مشاهدة وعيان على ما قدمناه أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا أي أنه قد صدقتنا في ادعاء النبوة، وقيل: في أن الله تعالى يجيب دعوتنا، وقيل: فيما ادعيت مطلقا.

وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ عند من لم يحضرها من بني إسرائيل ليزداد المؤمنون منهم بشهادتنا طمأنينة ويقينا ويؤمن بسببها كفارهم أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر، وقيل: من الشاهدين لله تعالى بالوحدانية ولك بالنبوة.

وعَلَيْها متعلق بالشاهدين إن جعل اللام للتعريف أو بمحذوف يفسره من الشاهدين إن جعلت موصولة.

وجوزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقيل: متعلق به وفيه تقديم ما في حيز الصلة وحرف الجر وكلاهما ممنوع.

ونقل عن بعض النحاة جواز التقديم في الظرف، وعن بعضهم جوازه مطلقا، وجوز أن يكون حالا من اسم كان أي عاكفين عليها. وقرىء «يعلم» بالبناء للمفعول و «تعلم» . «وتكون» بالتاء والضمير للقلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>