الأمر في جمع عود وعيد فيقولوا في جمع الأول أعياد وفي جمع الثاني أعواد مع حصول التفرقة أيضا اعتبارا على ما قيل للأخف في الأكثر استعمالا مع رعاية ظاهر المفرد، وقرأ عبد الله «تكن» بالجزم على جواب الأمر لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا أي لأهل زماننا ومن يجيء بعدنا.
روي أنه نزلت يوم الأحد
فلذلك اتخذه النصارى عيدا، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن المعنى يأكل منها أول الناس وآخرهم والجار والمجرور عند بعض بدل من الجار والمجرور أعني لَنا
، وقال أبو البقاء إذا جعل لَنا خبرا أو حالا فهو صفة لعيدا وإن جعل صفة له كان هو بدلا من الضمير المجرور بإعادة الجار، وظاهره أن المبدل منه الضمير لكن أعيد الجار لأن البدل في قوة تكرار العامل، وهو تحكم لأن الظاهر كما أشير إليه إبدال المجموع من المجموع، ثم إن ضمير الغائب يبدل منه وأما ضمير الحاضر فأجازه بعضهم مطلقا وأجازه آخرون كذلك، وفصل قوم فقالوا إن أفاد توكيدا وإحاطة وشمولا جاز وإلا امتنع.
واستظهر بعضهم على قول الحبر أن يكون لَنا خبرا أي قوتا أو نافعة لنا. وقرأ زيد، وابن محيصن، والجحدري «لأولانا وأخرانا» بتأنيث الأول والآخر باعتبار الأمة والطائفة، وكون المراد بالأولى والأخرى الدار الأولى أي الدنيا والدار الأخرى أي الآخرة مما لا يكاد يصح وَآيَةً عطف على عِيداً وقوله سبحانه وتعالى:
مِنْكَ متعلق بمحذوف وقع صفة له أي آية كائنة منك دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي وَارْزُقْنا أي الشكر عليها على ما حكي عن الجبائي أو المائدة على ما نقل عن غير واحد، والمراد بها حينئذ- كما قيل- ما على الخوان من الطعام أو الأعم من ذلك وهذه ولعله الأولى وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تذييل جار مجرى التعليل أي خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا ملاحظة عوض.
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ مرات عديدة كما ينبىء عن ذلك صيغة التفعيل، وورود الإجابة منه تعالى كذلك مع كون الدعاء منه عليه الصلاة والسلام بصيغة الافعال لإظهار كمال اللطف والإحسان مع ما فيه من مراعاة ما وقع في عبارة السائلين، وفي تصدير الجملة بكلمة التحقيق وجعل خبرها اسما تحقيق للوعد وإيذان بأنه سبحانه وتعالى منجز له لا محالة وإشعار بالاستمرار، وهذه القراءة لأهل المدينة، والشام، وعاصم.
وقرأ الباقون كما قال الطبرسي مُنَزِّلُها بالتخفيف، وجعل الإنزال والتنزيل بمعنى واحد فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ أي بعد تنزيلها حال كونه كائنا مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ بسبب كفره ذلك عَذاباً هو اسم مصدر بمعنى التعذيب كالمتاع بمعنى التمتيع، وقيل: مصدر محذوف الزوائد وانتصابه على المصدرية في التقديرين، وقيل: منصوب على التوسع، والتشبيه بالمفعول به مبالغة كما ينصب الظرف ومعمول الصفة المشبهة كذلك، وجوز أبو البقاء أن يكون نصبه على الحذف والإيصال، والمراد بعذاب وهو حينئذ اسم ما يعذب به، ولا يخفى أن حذف الجار لا يطرف في غير أن وإن عند عدم اللبس، والتنوين للتعظيم أي عذابا عظيما.
وقوله سبحانه وتعالى: لا أُعَذِّبُهُ في موضع النصب على أنه صفة له. والهاء في موضع المفعول المطلق كما في ظننته زيدا قائما. ويقوم مقام العائد إلى الموصوف كما قيل. ووجه بأنه حينئذ يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل فيكون في معنى النكرة الواقعة بعد النفي من حيث العموم فيشمل العذاب المتقدم، ويحصل الربط بالعموم ولو رد عليه أن الربط بالعموم إنما ذكره النحاة في الجملة الواقعة خبرا فلا يقاس عليه الصفة وجوز أن يكون من قبيل ضربته ضرب زيد أي عذابا لا أعذب تعذيبا مثله، وعلى هذا التقدير يكون الضمير راجعا على العذاب المقدم فالربط به.
وقيل: الضمير راجع إلى مِنَ بتقدير مضافين أي لا أعذب مثل عذابه أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ أي عالمي زمانهم أو العالمين مطلقا، وهذا العذاب إما في الدنيا، وقد عذب من كفر منهم بمسخهم قردة وخنازير. وروي ذلك عن