النور عبارة عن تجدد اللون أو عن اللون المتجدد والأول يقتضي أن لا يكون الشيء مستنيرا إلا آن تجدده. والثاني يوجب أن يكون الضوء نفس اللون فلا يبقى لقولهم الضوء ظهور اللون معنى، وإن جعلوا الضوء كيفية ثبوتية زائدة على ذات اللون وسموه بالظهور عاد النزاع لفظيا. وإن زعموا أن ذلك الظهور تجدد حالة نسبية فذاك باطل لأن الضوء أمر غير نسبي فلا يمكن أن يفسر بالحالة النسبية. الثاني أن البياض قد يكون مضيئا ومشرقا وكذلك السواد فإن الضوء ثابت لهما جميعا فلو كان كون كل منهما مضيئا نفس ذاته لزم أن يكون الضوء بعضه مضادا للبعض وهو محال إذا الضوء لا يقابله إلا الظلمة.
الثالث أن اللون يوجد من غير الضوء فإن السواد مثلا قد لا يكون مضيئا وكذلك الضوء قد يوجد بدون اللون مثل الماء والبلور إذا كانا في ظلمة ووقع الضوء عليه وحده فإنه حينئذ يرى ضوءه فذلك ضوء وليس بلون فإذا وجد كل منهما دون الآخر فلا بد من التغاير.
الرابع أن المضيء للون تارة ينعكس منه الضوء وحده إلى غيره وتارة ينعكس منه الضوء واللون وذلك إذا كان قويا فيهما جميعا فلو كان الضوء ظهور اللون لاستحال أن يفيد غيره بريقا ساذجا، وكون هذا البريق عبارة عن إظهار لون ذلك القابل يرد عليه أنه لماذا إذا اشتد لون الجسم المنعكس منه وضوءه أخفى لون المنعكس إليه وأبطله وأعطاه لون نفسه إلى غير ذلك من الأدلة، وفرق الإمام بين النور، والضوء، والشعاع والبريق بأن الأجسام إذا صارت ظاهرة بالفعل مستنيرة فإن ذلك الظهور كيفية ثابتة فيها منبسطة عليها من غير أن يقال: إنها سواد أو بياض أو حمرة أو صفرة، والآخر اللمعان وهو الذي يترقرق على الأجسام ويستر لونها وكأنه شيء يفيض منها وكل واحد من القسمين إما أن يكون من ذاته أو من غيره فالظهور للشيء الذي من ذاته كما للشمس والنار يسمى ضوءا والظهور الذي للشيء من غيره يسمى نورا، والترقرق الذي للشيء من ذاته كما للشمس يسمى شعاعا. والذي يكون للشيء من غيره كما للمرأة يسمى بريقا.
وقد تقدم لك الكلام في الفرق بين النور والضوء في سورة البقرة أيضا، وكذا الكلام في الظلمة والنسبة بينها وبين النور، والمشهور أن بينهما تقابل العدم والملكة، ولهذا قدمت الظلمات على النور في الآية الكريمة فقد صرحوا بأن الإعدام مقدمة على الملكات.
وتحقيق ذلك على ما ذكره بعض المحققين أنه إذا تقابل شيئان أحدهما وجودي فقط فإن اعتبر التقابل بالنسبة إلى موضوع قابل للأمر الوجودي إما بحسب شخصه أو بحسب نوعه أو بحسب جنسه القريب أو البعيد فهما العدم والملكة الحقيقيان أو بحسب الوقت الذي يمكن حصوله فيه فيهما العدم والملكة المشهوران، وإن لم يعتبر فيهما ذلك فهما السلب والإيجاب، فالعدم المشهوري في العمى والبصر هو ارتفاع الشيء الوجودي كالقدرة على الإبصار مع ما ينشأ من المادة المهيأة قبوله في الوقت الذي من شأنها ذلك فيه كما حقق في حكمة العين وشرحها، فإذا تحقق أن كل قابل لأمر وجودي في ابتداء قابليته واستعداده متصف بذلك العدم قبل وجود ذلك الأمر بالفعل تبين أن كل ملكة مسبوقة بعدمها لأن وجود تلك الصفة بالقوة وهو متقدم على وجودها بالفعل. وقال المولى ميرزاجان: لا بد في تقابل العدم والملكة أن يؤخذ في مفهوم العدمي كون المحل قابلا للوجودي، ولا يكفى نسبة المحل القابل للوجودي من غير أن يعتبر في مفهوم العدمي كون المحل قابلا له، ولذا صرحوا بأن تقابل العدم والوجود تقابل الإيجاب والسلب.
قال في الشفاء: العمى هو عدم البصر بالفعل مع وجوده بالقوة، وهذا مما لا بد منه في معناه المشهور انتهى، وبه يندفع بعض الشكوك التي عرضت لبعض الناظرين في هذا المقام، وقيل في تقدم عدم الملكة على الوجود: إن عدم