للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عجائب الملك وأسرار الملكوت مما لم يطلعوا عليه وبالجهر وما ظهر لهم من السماوات والأرض. وإضافة السر والجهر إلى ضمير المخاطبين مجازية وليس بشيء كما لا يخفى.

وجوز بعضهم أن يكون الجار متعلقا بالمصدر على سبيل التنازع، واعترض بأن معمول المصدر لا يتقدم عليه.

ويلزم أيضا التنازع مع تقدم المعمول. وأجيب بأن منهم من يجوز التنازع مع تقدم المعمول ومن يقول: بجواز تقديم الظرف على المصدر لتوسعهم فيه ما لم يتوسع في غيره، ونقل عن ابن هشام أنه قال: إنما يمتنع تقدم متعلق المصدر إذا قدر بحرف مصدري وفعل وهذا ليس كذلك فليس مما منعوه، وقال مولانا صدر الدين: يرد على منع تعلق الجار بالمصدر المتأخر تعلقه بإله في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ [الزخرف: ٨٤] مع أن إلها مصدر وصرح بتعلقه به غير واحد فإن أول بالصفة مثل المعبود فليؤول السر والجهر بالخفي والظاهر.

وعن أبي علي الفارسي أنه جعل هُوَ ضمير الشأن واللَّهُ مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر عن ضمير الشأن أي الشأن والقصة ذلك وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ أي ما تفعلونه لجلب نفع أو دفع ضر من الأعمال المكتسبة بالقلوب والجوارح سرا وعلانية. وتخصيص ذلك بالذكر مع اندراجه فيما تقدم على تقدير تعميم السر والجهر لإظهار كمال الاعتناء به لأنه مدار فلك الجزاء وهو السر في إعادة يَعْلَمُ. ومن الناس من غير بين المتعاطفين بجعل العلم هنا عبارة عن جزائه وإبقائه على معناه المتبادر فيما تقدم. وتفسير المكتسب بجزاء الأعمال من المثوبات والعقوبات غير ظاهر. وكذا حمل السر والجهر على ما وقع والمكتسب على ما لم يقع بعد.

وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ كلام مستأنف سيق لبيان كفرهم بآيات الله تعالى وإعراضهم عنها بالكلية بعد بيان كفرهم بالله تعالى وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد وامترائهم في البعث وإعراضهم عن بعض أدلته.

والإعراض عن خطابهم للإيذان بأن إعراضهم السابق قد بلغ مبلغا اقتضى أن لا يواجهوا بكلام بل يضرب عنهم صفحا وتعدد جناياتهم لغيرهم ذما لهم وتقبيحا لحالهم. فما نافية وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية كما أشار إليه العلامة البيضاوي ولله تعالى دره أو للدلالة على الاستمرار التجددي، ومن الأولى مزيدة للاستغراق أو لتأكيده، والثانية للتبعيض وهي متعلقة بمحذوف مجرور أو مرفوع وقع صفة لآية، وجعلها ابن الحاجب للتبيين لأن كونها للتبعيض ينافي كون الأولى للاستغراق إذ الآية المستغرقة لا تكون بعضا من الآيات. ورد بأن الاستغراق هاهنا لآية متصفة بالإتيان فهي وإن استغرقت بعض من جميع الآيات على أن كلامه بعد لا يخلو عن نظر.

وإضافة الآيات إلى الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها.

والمراد بها إما الآيات التنزيلية أو الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات والإتيان على الأول بمعنى النزول، وعلى الثاني بمعنى الظهور على ما قيل، ويفهم من كلام بعض المحققين أنه مطلقا بمعنى الظهور استعمالاته في لازم معناه وهو المجيء الذي لا يوصف به إلا الأجسام مجازا لا كناية كما قيل.

وحاصل المعنى على الأول ما تنزل إليهم آية من الآيات القرآنية الجليلة الشأن التي من جملتها هاتيك الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى شأنه المنبئة عن جريان أحكام ألوهيته على كافة الكائنات وإحاطة علمه بجميع أحوال العباد وأعمالهم الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها.

إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ غير مقبلين عليها ولا معتنين بها، وعلى الثاني ما تظهر لهم آية من الآيات التكوينية التي من جملتها ما ذكر من جلائل شؤونه سبحانه وتعالى الشاهدة بوحدانيته عز وجل إلا كانوا تاركين للنظر

<<  <  ج: ص:  >  >>