للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخافُ والشرطية معترضة بينهما وجواب الشرط محذوف وجوبا. وما تقدم على الأداة شبيه به فهو دليل عليه وليس إياه على الأصح خلافا للكوفيين. والمبرد، والتقدير إن عصيت أخف أو أخاف عذاب إلخ، وقيل: صرت مستحقا لعذاب ذلك اليوم. وفي الكلام مبالغة أخرى بالنظر إلى ما يفهم مما تقدم في قطع أطماعهم وتعريض بأنهم عصاة مستحقون للعذاب حيث أسند إلى ضمير المتكلم ما هو معلوم الانتفاء وقرن بأن التي تفيد الشك وجيء بالماضي إبرازا له في صورة الحاصل على سبيل الفرض. ويؤول المعنى في الآخرة إلى تخويفهم على صدور ذلك الفعل منهم فليس في الكلام دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام يخاف على نفسه المقدسة الكفر والمعصية مع أنه ليس كذلك لعصمته صلّى الله عليه وسلّم. وأورد بعضهم دلالة الآية على ما ذكر بحثا ثم قال، وأجيب عنه بأن الخوف تعلق بالعصيان الممتنع الوقوع امتناعا عاديا فلا تدل إلا على أنه عليه الصلاة والسلام يخاف لو صدر عنه وحاشاه الكفر والمعصية وهذا لا يدل على حصول الخوف، وأنت تعلم أن فيما قدمنا غنى عن ذلك. ويفهم من كلام بعضهم أن خوف المعصوم من المعصية لا ينافي العصمة لعلمه أن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد وأنه لا يجب عليه شيء، وفي بعض الآثار أنه عز شأنه قال لموسى عليه السلام: يا موسى لا تأمن مكري حتى تجوز الصراط.

وجاء في غير ما خبر أنه صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الريح يصفر وجهه الشريف ويقول: أخاف أن تقوم الساعة

مع أن الله تعالى أخبره أن بين يديها ظهور المهدي، وعيسى عليهما السلام، وخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها إلى غير ذلك من الأمارات التي لم توجد إذ ذاك ولم تحقق بعد. وصح أنه صلّى الله عليه وسلّم اعتذر عن عدم خروجه عليه الصلاة والسلام لصلاة التراويح بعد أن صلاها أول رمضان وتكاثر الناس رغبة فيها

بقوله «خشيت أن تفرض عليكم»

مع أن ما كان ليلة الإسراء إذ فرضت الصلوات يشعر بأنه تعالى لا يفرض زيادة عن الخمس وكل ذلك يدل على أن لله تعالى أن يفعل ما شاء وقصارى ما يلزم في أمثال ذلك لو فعل تغير تعلق الصفة وهو لا يستلزم تغير الصفة ليلزم الحدوث وقيام الحوادث به تعالى شأنه وهذا بحث طويل الذيل ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه إن شاء الله تعالى.

مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ أي من يصرف العذاب عنه فنائب الفاعل ضمير العذاب، وضمير عَنْهُ يعود على مَنْ وجوز العكس أي من يصرف عن العذاب. ومَنْ على الوجهين مبتدأ خبره الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف، والظرف متعلق بالفعل أو بالعذاب أو بمحذوف وقع حالا من الضمير.

وجوز أن يكون نائب الفاعل. وهل يحتاج حينئذ إلى تقدير مضاف أي عذاب يومئذ أم لا فيه خلاف فقيل: لا بد منه لأن الظرف غير التام أي المقطوع عن الإضافة كقبل وبعد لا يقام مقام الفاعل إلا بتقدير مضاف ويَوْمَئِذٍ له حكمه. وفي الدر المصون لا حاجة إليه لأن التنوين لكونه عوضا يجعل في قوة المذكور خلافا للأخفش. وذكر الأجهوري أن التنوين هنا عوض عن جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق والأصل يوم إذ يكون الجزاء ونحو ذلك، والجملة مستأنفة مؤكدة لتهويل العذاب وجوز أن تكون صفة عَذابَ. وقرأ حمزة، والكسائي، ويعقوب، وأبو بكر عن عاصم «من يصرف» على أن الضمير فيه لله تعالى. وقرأ أبي «من يصرف الله» بإظهار الفاعل والمفعول به محذوف أي العذاب أو «يومئذ» بحذف المضاف أو يجعل اليوم عبارة عما يقع فيه، ومَنْ في هذه القراءة أيضا مبتدأ.

وجوز أبو البقاء أن تجعل في موضع نصب بفعل محذوف تقديره من يكرم يصرف الله العذاب عنه فجعل يصرف تفسيرا للمحذوف، وأن يجعل منصوبا بيصرف ويجعل ضمير عَنْهُ للعذاب أي أي إنسان يصرف الله تعالى عنه العذاب فَقَدْ رَحِمَهُ أي الرحمة العظمى وهي النجاة كقولك: إن أطعمت زيدا من جوعة فقد أحسنت

<<  <  ج: ص:  >  >>