للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه تريد فقد أتممت الإحسان إليه، وعلى هذا يكون الكلام من قبيل- من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك-

«ومن كانت هجرته إلى الله تعالى»

الخبر، ومن قبيل صرف المطلق إلى الكامل، وقيل: المراد فقد أدخله الجنة فذكر الملزوم وأريد اللازم لأن إدخال الجنة من لوازم الرحمة إذ هي دار الثواب اللازم لترك العذاب.

ونقض بأصحاب الأعراف. وأجيب بأن قوله تعالى: وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ حال مقيدة لما قبله، والفوز المبين إنما هو بدخول الجنة لقوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمران: ١٨٥] وأنت تعلم أنه إذا قلنا: إن الأعراف جبل في الجنة عليه خواص المؤمنين كما هو أحد الأقوال لا يرد النقض، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك، وما ذكر من الجواب مبني على ما لا يخفى بعده، والداعي إلى التأويل اتحاد الشرط والجزاء الممتنع عندهم.

وقال بعض الكاملين: إن ما في النظم الجليل نظير

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه»

يعني بالشراء المذكور، وإن اختلاف العنوان يكفي في صحة الترتيب والتعقيب، ولك أن تقول: إن الرحمة سبب للصرف سابق عليه على ما تلوح إليه صيغة الماضي والمستقبل والترتيب باعتبار الأخبار. وتعقبه الشهاب بأنه تكلف لأن السبب والمسبب لا بد من تغايرهما معنى، والحديث المذكور منهم من أخذ بظاهره ومنهم من أوله بأن المراد لا يجزيه أصلا وهو دقيق لأنه تعليق بالمحال. وأما كون الجواب ماضيا لفظا ومعنى ففيه خلاف حتى منعه بعضهم في غير كان لعراقتها في المضي اه فليفهم.

والإشارة إما إلى الصرف الذي في ضمن يُصْرَفْ وإما إلى الرحمة، وذكر لتأويل المصدر بأن والفعل.

ومنهم من اعتبر الرحم بضم فسكون أو بضمتين وهو- على ما في القاموس- بمعنى الرحمة. ومعنى البعد للإيذان بعلو درجة ما أشير إليه، والفوز الظفر بالبغية، وآل لقصره على المسند إليه.

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ أي ببلية كمرض وحاجة فَلا كاشِفَ أي لا مزيل ولا مفرج لَهُ عنك إِلَّا هُوَ والمراد لا قادر على كشفه سواه سبحانه وتعالى من الأصنام وغيرها وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ من صحة وغنى فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ومن جملته ذلك فيقدر جل شأنه عليه فيمسك به ويحفظه عليك من غير أن يقدر على دفعه ورفعه أحد كقوله تعالى: فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس: ١٠٧] ويظهر من هذا ارتباط الجزاء بالشرط.

وقيل: إن الجواب محذوف تقديره فلا راد له غيره تعالى، والمذكور تأكيد للجوابين لأن قدرته تعالى على كل شيء من الخير والشر تؤكد أنه سبحانه وتعالى كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها، وزعم أنه لا تعلق له بالجواب الأول بل هو علة الجواب الثاني ظاهر البطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضر بلا شبهة وإنكار ذلك مكابرة، وأصل المس- كما قال أبو حيان- تلاقي الجسمين، والمراد به هنا الإصابة. وجعل غير واحد الباء في بضر وفي بخير للتعدية (١) وإن كان الفعل متعديا كأنه قيل: وإن يمسسك الله الضر. وفسروا الضر بالضم بسوء الحال في الجسم وغيره وبالفتح بضد النفع، وعدل عن الشر المقابل للخير إلى الضر- على ما في البحر- لأن الشر أعم فأتى بلفظ الأخص مع الخير الذي هو عام رعاية لجهة الرحمة، وقال ابن عطية: إن مقابلة الخير بالضر مع أن مقابلة الشر وهو أخص منه من خفي الفصاحة للعدول عن قانون الضعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكونه أوفق بالمعنى وألصق بالمقام كقوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى [طه: ١١٨]


(١) كان في الأصل تحريف وأصلحناه من تفسير البحر المحيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>