للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى عليه: «ويحك أتدري ما الله تعالى؟ إن الله تعالى فوق عرشه وعرشه فوق سماواته وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب» .

وأخرج الأموي في مغازيه من حديث صحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات»

وروى ابن ماجة يرفعه قال: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا إليه رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم ثم قرأ صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه» . وصح أن عبد الله بن رواحة أنشد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبياته التي عرض بها عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته وهي:

شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد ... ملائكة الإله مسومينا

فأقره عليه الصلاة والسلام على ما قال وضحك منه، وكذا أنشد حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله:

شهدت بإذن الله أن محمدا ... رسول الذي فوق السماوات من عل

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما ... له عمل من ربه متقبل

وأن الذي عادى اليهود ابن مريم ... رسول أتى من عند ذي العرش مرسل

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم ... يقوم بذات الله فيهم ويعدل

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: وأنا أشهد.

وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى حكاية عن إبليس: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ [الأعراف: ١٧] أنه قال: لم يستطع أن يقول ومن فوقهم لأنه قد علم أن الله تعالى سبحانه من فوقهم، والآيات والأخبار التي فيها التصريح بما يدل على الفوقية كقوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر: ١، الجاثية: ٢، الأحقاف: ٢] . وإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: ١٠] . وبَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء: ١٥٨] . وتَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج: ٤] .

وقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه مسلم: «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء»

كثيرة جدا، وكذا كلام السلف في ذلك فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عمن قال: لا أعرف ربي سبحانه في السماء أم في الأرض فقال: قد كفر لأن الله تعالى يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] وعرشه فوق سبع سماوات فقال: قلت فإن قال إنه على العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ فقال رضي الله تعالى عنه: هو كافر لأنه أنكر آية في السماء ومن أنكر آية في السماء فقد كفر، وزاد غيره لأن الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل اه.

وأيد القول بالفوقية أيضا بأن الله تعالى لما خلق الخلق لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى عن ذلك فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فتعين أنه خلقهم خارجا عن ذاته ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم لكان متصفا بضد ذلك لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده وضد الفوقية السفول، وهو مذموم على الإطلاق، والقول بأنا لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها مدفوع بأنه سبحانه لو لم يكن قابلا للعلو والفوقية لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها فمتى سلم بأنه جل شأنه ذات قائم بنفسه غير مخالط للعالم وأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>