للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأكنة وأخبية إلا نادرا. وفعل الكن ثلاثي ومزيد يقال: كنه وأكنه كما قال الطبرسي وغيره، وفرق بينهما الراغب فقال:

أكننت يستعمل لما يستر في النفس والثلاثي لغيره. والتنوين للتفخيم والواو للعطف. والجملة معطوفة على الجملة قبلها عطف الفعلية على الاسمية، وقيل: الواو للحال أي وقد جعلنا. وعَلى قُلُوبِهِمْ متعلق بالفعل قبله.

وزعم أبو حيان أنه إن كان بمعنى ألقي فالظرف متعلق به وإن كان بمعنى صير فمتعلق بمحذوف إذ هو في موضع المفعول الثاني. والمعنى على ما ذكرنا وأنشأنا على قلوبهم أغطية كثيرة لا يقادر قدرها أَنْ يَفْقَهُوهُ أي كراهة أن يفهموا ما يستمعونه من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع فالكلام على تقدير مضاف ومنهم من قدر لا دونه أي أن لا يفقهوه. وكذلك يفعلون في أمثاله، وجوز أن يكون مفعولا به لما دل عليه قوله تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي منعناهم أن يفقهوه أو لما دل عليه أَكِنَّةً وحده من ذلك وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي صمما وثقلا في السمع يمنع من استماعه على ما هو حقه. والكلام عند غير واحد تمثيل معرب عن كمال جهلهم بشؤون النبي صلّى الله عليه وسلّم وفرط نبو قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج أسماعهم أصمها الله تعالى، وجوز أن يكون هناك استعارة تصريحية أو مكنية أو مشاكلة. وقد مر لك في البقرة ما ينفعك هنا فتذكره.

وقرأ طلحة «وقرأ» بالكسر- وهو- على ما نص عليه الزجاج. حمل البغل ونحوه. ونصبه على القراءتين بالعطف على أَكِنَّةً كما قال أبو البقاء وَإِنْ يَرَوْا أي يشاهدوا ويبصروا كُلَّ آيَةٍ أي معجزة دالة على صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم على ما نقل عن الزجاج وهو الذي يقتضيه كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة. وتكثير القليل من الطعام وما أشبه ذلك لا يُؤْمِنُوا بِها لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم. والكلام من باب عموم النفي ككل ذلك لم يكن لا من باب نفي العموم.

والمراد ذمهم بعدم الانتفاع بحاسة البصر بعد أن ذكر سبحانه عدم انتفاعهم بعقولهم وأسماعهم، ونقل عن بعضهم أنه لا بد من تخصيص الآية في الآية بغير الملجئة دفعا للمخالفة بين هذا وقوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الشعراء: ٤] . واكتفى بعضهم بحمل الإيمان على الإيمان بالاختيار وفرق بينه وبين خضوع الأعناق فليفهم. وخص شيخ الإسلام الآية بما كان من الآيات القرآنية أي وإن يروا شيئا من ذلك بأن يشاهدوه بسماعه لا يؤمنوا به، ولعل ما قدمناه أحلى لدى الذوق السليم.

حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ أي يخاصمونك وينازعونك. وحَتَّى هي التي تقع بعدها الجمل ويقال لها: حتى الابتدائية. ولا محل للجملة الواقعة بعدها خلافا للزجاج وابن درستويه زعما أنها في محل جر بحتى.

ويرده أن حروف الجر لا تعلق عن العمل وإنما تدخل على المفرد أو ما في تأويله. والجملة هنا قوله تعالى: إِذا جاؤُكَ مع جواب الشرط أعني قوله سبحانه وتعالى: يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا وما بينهما حال من فاعل جاؤوا. وإنما وضع الموصول موضع الضمير ذما لهم بما في حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم. وإِذا منصوبة المحل على الظرفية بالشرط أو الجواب على الخلاف الشهير في ذلك، واعترض بأن جعل يُجادِلُونَكَ في موضع الحال ويَقُولُ الَّذِينَ جوابا مفض إلى جعل الكلام لغوا لأن المجادلة نفس هذا القول إلا أن تؤول المجادلة بقصدها.

ولا يخفى ما فيه فإن المجادلة مطلق المنازعة. وسميت بذلك لما فيها من الشدة أو لأن كل واحد من المتجادلين يريد أن يلقي صاحبه على الجدالة أي الأرض. والقول المذكور فرد منها فالكلام مفيد أبلغ فائدة كقولك إذا أهانك زيد شتمك، وذكر بعض النحويين أن حتى إذا وقع بعدها إذا يحتمل أن تكون بمعنى الفاء وأن تكون بمعنى إلى والغاية معتبرة في الوجهين أي بلغوا من التكذيب والمكابرة إلى أنهم إذا جاؤوك مجادلين لك لا يكتفون بمجرد

<<  <  ج: ص:  >  >>