عدم الإيمان بل يقولون إِنْ هذا أي ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أحاديثهم المسطورة التي لا يعول عليها، وقال قتادة: كذبهم وباطلهم.
وحاصل ما ذكر أن تكذيبهم بلغ النهاية بما ذكر لأنه الفرد الكامل منه. ونظير ذلك- مات الناس حتى الأنبياء- وجوز أن تكون حَتَّى هي الجارة وإِذا جاؤُكَ في موضع الجر وهو قول الأخفش وتبعه ابن مالك في التسهيل. ورده أبو حيان في شرحه. وعليه فإذا خارجة عن الظرفية كما صرحوا به وعن الشرطية أيضا فلا جواب لها فيقول حينئذ: تفسير «ليجادلونك» وهو في موضع الحال أيضا. والأساطير عند الأخفش جمع لا مفرد له كأبابيل ومذاكير، وقال بعضهم: له مفرد. وفي القاموس إنه جمع أسطار وأسطير بكسرهما وإسطور وبالهاء في الكل، وقيل:
جمع أسطار بفتح الهمزة جمع سطر بفتحتين كسبب وأسباب فهو جمع جمع وأصل السطر بمعنى الخط وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ الضمير المرفوع للمشركين والمجرور للقرآن أي لا يقنعون بما ذكر من تكذيبه وعده حديث خرافة بل ينهون الناس عن استماعه لئلا يقفوا على حقيقته فيؤمنوا به وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ أي يتباعدون عنه بأنفسهم إظهارا لغاية نفورهم عنه وتأكيدا لنهيهم فإن اجتناب الناهي عن المنهي عنه من متممات النهي، ولعل ذلك- كما قال شيخ الإسلام- هو السر في تأخير النأي عن النهي. وهذا هو التفسير الذي أخرجه ابن أبي شيبة، وابن حميد، وابن جرير وابن المنذر، وغيرهم عن مجاهد رحمة الله تعالى عليه، وقيل: الضمير المجرور للرسول صلّى الله عليه وسلّم على معنى ينهون الناس عن الإيمان به عليه الصلاة والسلام ويتباعدون عنه، وهو التفسير الذي أخرجه أبناء جرير، والمنذر، وأبي حاتم، ومردويه من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج أيضا ابن جرير من طريق العوفي. وروي ذلك عن محمد ابن الحنفية، والسدي، والضحاك، وقيل: الضمير المرفوع لأبي طالب وأتباعه أو أضرابه والمجرور للنبي صلّى الله عليه وسلّم على معنى ينهون عن أذيته عليه الصلاة والسلام ولا يؤمنون به.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن هلال أنه قال: إن الآية نزلت في عمومة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكانوا عشرة وكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه عليه الصلاة والسلام في السر، وقيل: ضمير الجمع لأبي طالب وحده وجمع استعظاما لفعله حتى كأنه مما لا يستقل به واحد، وقيل: إنه نزل منزلة أفعال متعددة فيكون كقوله: قفا عند المازني، ولا يخفى بعده. وروى هذا القول جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا.
وروي عن مقاتل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش إليه يريدون سوءا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال منشدا:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فنزلت هذه الآية.
وفيها على هذا القول والذي قبله التفات، ورد الإمام القول الأخير بأن جميع الآيات المتقدمة في ذم فعل المشركين فلا يناسبه ذكر النهي عن أذيته عليه الصلاة والسلام وهو غير مذموم. ونظر فيه بأن الذم بالمجموع من حيث هو مجموع. وبهذه الآية على هذه الرواية استدل بعض من ادعى أن أبا طالب لم يؤمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذا المطلب في موضعه.