والنأي لازم يتعدى بعن كما في الآية. ونقل عن الواحدي أنه سمع تعديته بنفسه عن المبرد وأنشد:
أعاذل إن يصبح صدى بقفرة ... بعيدة نآني زائري وقريبي
وخرجه البعض على الحذف والإيصال ولا يخفى ما في «ينهون وينأون» من التجنيس البديع. وقرىء «وينون» عنه وَإِنْ يُهْلِكُونَ أي وما يهلكون بذلك إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه وهو عذاب الضلال والإضلال. وقوله تعالى: وَما يَشْعُرُونَ حال من ضمير يهلكون أي يقصرون الإهلاك على أنفسهم والحال أنهم غير شاعرين لا بإهلاكهم أنفسهم ولا باقتصار ذلك عليها من غير أن يضروا بذلك شيئا من القرآن أو النبي صلّى الله عليه وسلّم. وإنما عبر عنه بالإهلاك مع أن المنفي عن غيرهم مطلق الضرر للإيذان بأن ما يحيق بهم هو الهلاك لا الضرر المطلق. على أن مقصدهم لم يكن مطلق الممانعة فيما ذكروا بل كانوا يبغون الغوائل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي هو نظام عقد لآلىء الآيات القرآنية.
وجوز أن يكون الإهلاك معتبرا بالنسبة إلى الذين يضلونهم بالنهي فقصره على أنفسهم حينئذ مع شموله للفريقين مبني على تنزيل عذاب الضلال عند عذاب الإضلال منزلة العدم. ونفي الشعور- على ما في البحر- أبلغ من نفي العلم كأنه قيل. وما يدركون ذلك أصلا وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ شروع في حكاية ما سيصدر عنهم يوم القيامة من القول المناقض لما صدر عنهم في الدنيا من القبائح المحكية مع كونه كاذبا في نفسه. والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من له أهلية ذلك قصدا إلى بيان سوء حالهم وبلوغها من الشناعة إلى حيث لا يختص بها راء دون راء. ولَوْ شرطية على أصلها وجوابها محذوف لتذهب نفس السامع كل مذهب فيكون أدخل في التهويل. ونظير ذلك قول امرئ القيس:
وجدك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
وقولهم لو ذات سوار لطمتني. وتَرى بصرية وحذف مفعولها لدلالة ما في حيز الظرف عليه. والإيقاف إما من الوقوف المعروف أو من الوقوف بمعنى المعرفة كما يقال: أوقفته على كذا إذا فهمته وعرفته. واختاره الزجاج أي ولو ترى حالهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها أو يرفعوا على جسرها وهي تحتهم فينظرونها أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها لرأيت ما لا يحيط به نطاق التعبير. وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق.
وقيل: إن لو بمعنى إن وجوزوا أن تكون ترى علمية وهو كما ترى. وقرىء وُقِفُوا بالبناء للفاعل من وقف عليه اللازم ومصدره غالبا الوقوف. ويستعمل وقف متعديا أيضا ومصدره الوقف وسمع فيه أوقف لغة قليلة.
وقيل: إنه بطريق القياس فَقالُوا لعظم أمر ما تحققوه يا لَيْتَنا نُرَدُّ أي إلى الدنيا. ويا للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف أي يا قومنا مثلا وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا أي القرآن كما كنا نكذب من قبل ونقول:
أساطير الأولين. وفسر بعضهم الآيات بما يشمل ذلك والمعجزات، وقال شيخ الإسلام: يحتمل أن يراد بها الآيات الناطقة بأحوال النار وأهوالها الآمرة باتقائها بناء على أنها التي تخطر حينئذ ببالهم ويتحسرون على ما فرطوا في حقها.
ويحتمل أن يراد بها جميع الآيات المنتظمة لتلك الآيات انتظاما أوليا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بها حتى لا نرى هذا الموقف الهائل كما لم ير ذلك المؤمنون. ونصب الفعلين- على ما قال الزمخشري وسبقه إليه كما قال الحلبي الزجاج- بإضمار أن على جواب التمني. والمعنى إن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين. ورده أبو حيان بأن نصب الفعل بعد الواو ليس على الجوابية لأنها لا تقع في جواب الشرط فلا ينعقد مما قبلها وما بعدها شرط وجواب وإنما هي واو تعطف ما بعدها على المصدر المتوهم قبلها وهي عاطفة يتعين مع النصب أحد محاملها الثلاث وهي المعية ويميزها عن