أي تطلب نَفَقاً فِي الْأَرْضِ هو السرب فيها له مخلص إلى مكان كما في القاموس، وأصل معناه جحر اليربوع، ومنه النافقاء لأحد منافذه. ويقال لها النفقة كهمزة وهي التي يكتمها ويظهر غيرها فإذا أتى من القاصعاء ضربها برأسه فانتفق ومنه أخذ النفاق، والجار متعلق بمحذوف وقع صفة «نفقا» والكلام على التجريد في رأي، وجوز تعلقه بتبتغي وبمحذوف وقع حالا من ضميره المستتر أي نفقا كائنا في الأرض أو تبتغي في الأرض أو تبتغي أنت حال كونك في الأرض أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ أي مرقاة فيها أخذا من السلامة. قال الزجاج: لأنه الذي يسلمك إلى مصعدك.
وهو كما قال الفراء: مذكر واستشهدوا لتذكيره بقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ [الطور: ٣٨] ثم قال:
وأنشدت في تأنيثه بيتا أنسيته انتهى.
قال الغضائري: البيت الذي أنسيه الفراء بيت أوس وهو:
لنا سلم في المجد لا يرتقونها ... وليس لهم في سورة المجد سلم
وأنشدوا أيضا في تذكيره:
الشعر صعب وطويل سلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
يريد أن يعربه فيعجمه وفي السَّماءِ نظير ما في الجار قبله من الاحتمالات فَتَأْتِيَهُمْ أي منهما بِآيَةٍ مما اقترحوه من الآيات. والفاء في صدر هذه الشرطية جوابية وجواب الشرط فيه محذوف. ولك تقديره أتيت بصيغة الخبر أو فافعل فعل أمر والجملة جواب للشرط الأول، والمعنى إن شق عليك إعراضهم عن الإيمان وأحببت أن تجيبهم عما سألوه اقتراحا ليؤمنوا فإن استطعت كذا فتأتيهم بآية فافعل، وفيه إشارة إلى مزيد حرصه صلّى الله عليه وسلّم على إيمان قومه وتحصيل مطلوبهم واقتراحهم مع الإيماء إلى توبيخ القوم أو المعنى إن شق عليك إعراضهم فلو قدرت أن تأتي بالمحال أتيت به، والمقصود بيان أنه صلّى الله عليه وسلّم بلغ في الحرص على إيمانهم إلى هذه الغاية، وفيه إشعار ببعد إسلامهم عن دائرة الوجود كما لا يخفى على المتدبر، وإيثار الابتغاء على الاتخاذ ونحوه للإيذان بأن ما ذكر من النفق والسلم مما لا يستطيع ابتغاءه فكيف باتخاذه.
وجوز أن يكون ابتغاء ذينك الأمرين أعني نفس النفوذ في الأرض والصعود إلى السماء آية، فالفاء في فَتَأْتِيَهُمْ حينئذ تفسيرية وتنوين «آية» للتفخيم، والمعنى عليه فإن استطعت ابتغاءهما فتجعل ذلك آية لهم فعلت.
ورده أبو حيان بأن هذا لا يظهر من ظاهر اللفظ إذ لو كان كذلك لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية أي آية، وأيضا فأي آية في دخول سرب في الأرض وإن صح أن يكون الرقي إلى السماء آية، وما ذكرناه من أن إيتاء الآية منهما هو الظاهر المتبادر إلى الأذهان. ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: إن المراد فتأتيهم بآية من السماء وابتغاء النفق للهرب، وأيد بما أخرجه الطستي عن نافع بن الأزرق أنه قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أخبرني عن قوله تعالى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ فقال رضي الله تعالى عنه سربا في الأرض فتذهب هربا وفيه بعد، وخبر ابن الأزرق قد قيل فيه ما قيل وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى أي لو شاء الله تعالى جمعهم على ما أنتم عليه من الهدى لجمعهم عليه بأن يوفقهم للإيمان فيؤمنوا معكم ولكن لم يشأ ذلك سبحانه لسوء اختيارهم حسبما علمه الله تعالى منهم في أزل الآزال، وقالت المعتزلة: المراد لو شاء سبحانه جمعهم على الهدى لفعل بأن يأتيهم بآية ملجئة إليه لكنه جل شأنه لم يفعل ذلك