للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لخروجه عن الحكمة، والحق ما عليه أهل السنة فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ أي إذا عرفت أنه سبحانه لم يشأ هدايتهم وإيمانهم فلا تكن بالحرص الشديد على إسلامهم أو الميل إلى نزول مقترحاتهم من قوم ينسبون إلى الجهل بدقائق شؤونه تعالى، وجوز أن يراد بالجاهلين- على ما نقل عن المعتزلة- المقترحون، ويراد بالنهي منعه صلى الله تعالى عليه وسلّم من المساعدة على اقتراحهم، وإيرادهم بعنوان الجهل دون الكفر لتحقق مناط النهي.

وقال الجبائي: المراد لا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم والأول أولى، وفي خطابه سبحانه لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بهذا الخطاب دون خطابه بما خوطب به نوح عليه السلام من قوله سبحانه له: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [هود: ٤٦] إشارة إلى مزيد شفقته صلّى الله عليه وسلّم واشتداد حرصه عليه الصلاة والسلام فافهم هذا.

ومن باب الإشارة في الآيات: وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [الأنعام: ١٣] يحتمل أن يكون الليل والنهار إشارة إلى قلب الكافر وقلب المؤمن وما سكن فيهما الكفر والإيمان ومعنى كون ذلك له سبحانه أنه من آثار جلاله وجماله، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قلب العارف في حالتي القبض والبسط فكأنه قيل: وله ما سكن في قلوب العارفين المنقبضة والمنبسطة من آثار التجليات فلا تلتفت في الحالتين إلى سواه عز شأنه وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فيسمع خواطرها السيئة والحسنة ويعلم شرها وخيرها أو فيسمع أنينها في شوقه ويعلم انسهابه أو نحو ذلك.

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا أي ناصرا ومعينا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مبدعهما فهي ملكه سبحانه ونسبة المملوك إلى المالك نسبة اللاشيء إلى الشيء وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ فهو الغنى المطلق وغيره جل شأنه محتاج بحت وطلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة من عقله قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ نفسه لربه عز شأنه. والمراد بالأمر بذلك الأمر الكوني أي قل إني قيل لي: كن أول من أسلم فكنت، وذلك قبل ظهور هذه التعينات وإليه الإشارة بما شاع من

قوله صلّى الله عليه وسلّم «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»

فأول روح ركضت في ميدان الخضوع والانقياد والمحبة روح نبينا صلّى الله عليه وسلّم وقد أسلم نفسه لمولاه بلا واسطة وكل إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما أسلموا نفوسهم بواسطته عليه الصلاة والسلام فهو صلّى الله عليه وسلّم المرسل إلى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في عالم الأرواح وكلهم أمته وهم نوابه في عالم الشهادة، ولا ينافي ذلك أمره عليه الصلاة والسلام باتباع بعضهم في النشأة الجسمانية لأن ذلك لمحض استجلاب المعتقدين بأولئك البعض على أحسن وجه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي وقيل لي: لا تكونن ممن أشرك مع الله تعالى أحدا بشيء من الأشياء. وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ بإفنائهم والتصرف بهم كيف شاء وَهُوَ الْحَكِيمُ أي الذي يفعل ما يفعل في عباده بالحكمة الْخَبِيرُ الذي يطلع على خفايا الأحوال ومراتب الاستحقاق قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بإظهار المعجزات، وأعظم من ذلك عند العارفين ظهور أنوار الله تعالى في مرآة وجهه الشريف صلّى الله عليه وسلّم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [البقرة: ١٤٦] وذلك بالصفات التي وجدوها في كتابهم لا بالنور المتلألئ على صفحات ذلك الوجه الكريم وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بإثبات وجود غيره تعالى أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ فأظهر صفات نفسه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ لاحتجابهم بما وضعوه في موضع ذات الله تعالى وصفاته جل وعلا وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً وهو يوم القيامة الكبرى وعين الجمع ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا بإثبات الغير أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنهم شركاء ولهم وجود ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ أي نهاية شركهم عند ظهور الأمر وبروز الكل لله الواحد القهار إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لامتناع وجود شيء نشركه

<<  <  ج: ص:  >  >>