الظالمين لأنفسهم أو لأولئك المؤمنين أو فتكون ممن اتصف بصفة الظلم وَكَذلِكَ فَتَنَّا أي ابتلينا واختبرنا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ والمراد عاملناهم معاملة المختبر وذلك إشارة إلى الفتن المذكور في النظم الكريم، وعبر عنه بذلك إيذانا بتفخيمه كقولك: ضربت ذلك الضرب. والكاف مقحمة بمعنى أن التشبيه غير مقصود منها بل المقصود لازمه الكنائي أو المجازي وهو التحقق والتقرر وهو إقحام مطرد وليست زائدة كما توهم. والمعنى مثل ذلك الفتن العظيم البديع فتنا بعض الناس ببعضهم حيث قدمنا الآخرين في أمر الدين على الأولين المتقدمين عليهم في أمر الدنيا، ويؤول إلى أن هذا الأمر العظيم متحقق منا. ومن ظن أن التشبيه هو المقصود لم يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى المذكور لما يلزمه من تشبيه الشيء بنفسه. وتكلف لوجه التشبيه والمغايرة بجعل المشبه به الأمر المقرر في العقول والمشبه ما دل عليه الكلام من الأمر الخارجي، وقيل: المراد مثل ما فتنا الكفار بحسب غناهم وفقر المؤمنين حتى أهانوهم لاختلافهم في الأسباب الدنيوية فتناهم بحسب سبق المؤمنين إلى الإيمان وتخلفهم عنه حتى حسدوهم وقالوا ما قالوا لاختلاف أديانهم، ولا يخفى أن الأول أدق نظرا وأعلى كعبا وقد سلف بعض الكلام على ذلك لِيَقُولُوا أي البعض الأولون مشيرين إلى الآخرين محقرين لهم أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بأن وفقهم لإصابة الحق والفوز بما يسعدهم عنده سبحانه مِنْ بَيْنِنا أي من دوننا ونحن المقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء وغرضهم بذلك إنكار المن رأسا على حد قولهم: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الأحقاف: ١١] لا تحقير الممنون عليهم مع الاعتراف بوقوعه بطريق الاعتراض عليه سبحانه، وذكر الإمام أنه سبحانه وتعالى بين في هذه الآية أن كلّا من الفريقين المؤمنين والكفار مبتلى بصاحبه فأولئك الكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة رضي الله تعالى عنهم على كونهم سابقين في الإسلام متسارعين إلى قبوله فقالوا: لو دخلنا في الإسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء وكان ذلك يشق عليهم. ونظيره قوله تعالى: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا [القمر: ٢٥] ولَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وأما فقراء الصحابة فكانوا يرون أولئك الكفار في الراحة والمسرة والخصب والسعة فكانوا يقولون: كيف حصلت هذه الأحوال لهؤلاء الكفار مع أنا في الشدة والضيق والقلة، وأما المحققون المحقون فهم الذين يعلمون أن كل ما فعله الله تعالى فهو حق وصدق وحكمة وصواب ولا اعتراض عليه إما بحكم المالكية كما نقول أو بحسب المصلحة كما يقول المعتزلة انتهى. وفيه نظر لأن صدر كلامه صريح في أن الكفار معترفون بوقوع المن للمشار إليهم حاسدون لهم على وقوعه وهو مناف لتنظيره بقولهم: لَوْ كانَ خَيْراً إلخ. وأيضا كلامه كالصريح في أن فقراء المؤمنين حسدوا الكفار على دنياهم واعترضوا على الله سبحانه بالترفيه على أعدائه والتضييق على أحبائه وذلك مما يجل عنه أدنى المؤمنين فكيف أولئك الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأيضا مقابلة فقراء الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالمحققين المحقين يدل على أنهم وحاشاهم لم يكونوا كذلك وهو بديهي البطلان عند المحققين المحقين فتدبر.
واللام ظاهرة في التعليل وهي متعلقة بفتنا وما بعدها علة له. والسلف- كما قال شيخنا إبراهيم الكوراني وقاضي القضاة تقي الدين محمد التنوخي. وغيرهما- على إثبات العلة لأفعاله تعالى استدلالا بنحو عشرة آلاف دليل على ذلك. واحتج النافون لذلك بوجوه ردها الثاني في المحتبر، وذكر الأول في مسلك السداد ما يعلم منه ردها، وهذا بحث قد فرغ منه وطوي بساطه، وقال غير واحد: هي لام العاقبة، ونقل عن شرح المقاصد ما يأبى ذلك وهو أن لام العاقبة إنما تكون فيما لا يكون للفاعل شعور بالترتب وقت الفعل أو قبله فيفعل لغرض ولا يحصل له ذلك بل ضده فيجعل كأنه فعل الفعل لذلك الغرض الفاسد تنبيها على خطئه ولا يتصور هذا في كلام علام الغيوب بالنظر إلى أفعاله وإن وقع فيه بالنظر إلى فعل غيره سبحانه كقوله عز وجل: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إذ ترتب