للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه أنه من المقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فنزولها في حق عمر رضي الله تعالى عنه لا يدفع الإشكال.

وتعقب بأن مراد المجيب أن اللفظ ليس عاما وخطاب مِنْكُمْ لمن كان في تلك المشاورة والعامل لذلك منهم عمر رضي الله تعالى عنه فلا إشكال. وأنت تعلم أن بناء الجواب على هذه الرواية ليس من المتانة بمكان إذ للخصم أن يقول: لا نسلم تلك الرواية. فلعل الأولى في الجواب أن ما ذكر في الآية إنما هو المغفرة الواجبة حسب وجوب الرحمة في صدر الآية. ولا يلزم من تقييد ذلك بما تقدم تقييد مطلق المغفرة به. فحينئذ يمكن أن يقال: إنه تعالى قد يغفر لمن لم يتب مثلا إلا أنه سبحانه لم يكتب ذلك على نفسه جل شأنه فافهمه فإنه دقيق.

وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ أي دائما الْآياتِ أي القرآنية في صفة أهل الطاعة وأهل الإجرام المصرين منهم والأوابين. والتشبيه هنا مثله فيما تقدم آنفا وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ بتأنيث الفعل بناء على تأنيث الفاعل.

وهي قراءة ابن كثير، وابن عامر، وأبي عمرو، ويعقوب، وحفص عن عاصم، وهو عطف على علة محذوفة للفعل المذكور لم يقصد تعليله بها بخصوصها، وإنما قصد الإشعار بأن له فوائد جمة من جملتها ما ذكر أو علة لفعل مقدر وهو عبارة عن المذكور كما يشير إليه أبو البقاء فيكون مستأنفا أي ولتتبين سبيلهم نفعل ما نفعل من التفصيل. وقرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على أن الفعل متعد أي ولتستوضح أنت يا محمد سبيل المجرمين فتعاملهم بما يليق بهم. وقرأ الباقون بالياء التحتية ورفع السبيل على أن الفعل مسند للمذكر. وتأنيث السبيل وتذكيره لغتان مشهورتان.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ قال ابن عطاء: أخبر سبحانه بهذه الآية أن أهل السماع هم الأحياء وهم أهل الخطاب والجواب. وأخبر أن الآخرين هم الأموات. وقال غيره: المعنى أنه لا يستجيب إلا من فتح الله سبحانه سمع قلبه بالهداية الأصلية ووهب له الحياة الحقيقية بصفاء الاستعداد ونور الفطرة لا موتى الجهل الذين ماتت غرائزهم بالجهل المركب أو بالحجب الجبلية أو لم يكن لهم استعداد بحسب الفطرة فإنهم قد صموا عن السماع ولا يمكنهم ذلك بل يبعثهم الله تعالى إليه بالنشأة الثانية ثم يرجعون إليه سبحانه في عين الجمع المطلق للجزاء والمكافأة مع احتجابهم، وقيل: الآية إشارة إلى أهل الصحو وأهل المحو وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ حيث فطروا على التوحيد وجبلوا على المعرفة ولهم مشارب من بحر خطاب الله تعالى وأفنان من أشجار رياض كلماته سبحانه وحنين إليه عز وجل وتغريد باسمه عز اسمه. قيل: إن سمنون المحب كان إذا تكلم في المحبة يسقط الطير من الهواء.

وروي في بعض الآثار أن الضب بعد أن تكلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشهد برسالته أنشأ يقول:

ألا يا رسول الله إنك صادق ... فبوركت مهديا وبوركت هاديا

وبوركت في الآزال حيا وميتا ... وبوركت مولودا وبوركت ناشيا

وإن فيهم أيضا المحتجبين ومرتكبي الرذائل وغير ذلك. وقد تقدم الكلام في هذا المبحث مفصلا ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ أي كتاب أعمالهم مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ في عين الجمع وَالَّذِينَ كَذَّبُوا لاحتجابهم بغواشي صفات نفوسهم بِآياتِنا وهي تجليات الصفات صُمٌّ فلا يسمعون بآذان القلوب وَبُكْمٌ فلا ينطقون بألسنة العقول فِي الظُّلُماتِ وهي ظلمات الطبيعة وغياهب الجهل مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>