فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ أمر منه تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يبدأهم بالسلام في محل لا ابتداء به فيه إكراما لهم بخصوصهم كما روي عن عكرمة، واختاره الجبائي، وقيل: أمره سبحانه أن يبلغهم تحيته عز شأنه وروي ذلك عن الحسن، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المعنى اقبل عذرهم واعترافهم وبشرهم بالسلامة مما اعتذروا منه.
وعليه لا يكون السلام بمعنى التحية وهو أيضا مبني على سبب النزول عنده رضي الله تعالى عنه، واختار بعضهم أنه بهذا المعنى أيضا على تقدير أن يراد بالموصول ما روي عن عكرمة فيكون الكلام أمرا له عليه الصلاة والسلام أن يبشرهم بالسلام من كل مكروه بعد إنذار مقابليهم.
وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجبها على ذاته المقدسة تفضلا وإحسانا بالذات لا بتوسط شيء. أصلا وفيه احتمال آخر تقدم تبشير لهم بسعة رحمة الله تعالى. ولم يعطف على جملة السلام مع أنه محكي بالقول أيضا قيل لأنها دعائية إنشائية، وقيل: إشارة إلى استقلال كل من مضموني الجملتين وهما السلامة من المكاره ونيل المطالب بالبشارة. وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار للطف بهم وإشعار بعلة الحكم. وتمام الكلام في الآية قد مر عن قريب. وقوله تعالى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بفتح الهمزة كما قرأ بذلك نافع، وابن عامر، وعاصم، ويعقوب بدل من الرَّحْمَةَ كما قال أبو علي الفارسي وغيره. وقيل: إنه مفعول كَتَبَ والرحمة مفعول له، وقيل: إنه على تقدير اللام، وجوز أبو البقاء أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي عليه سبحانه أنه إلخ ودل على ذلك ما قبله. وقرأ الباقون «إنه» بالكسر على الاستئناف النحوي أو البياني كأنه قيل: وما هذه الرحمة؟ والضمير للشأن. ومن موصولة أو شرطية وموضعها مبتدأ ومِنْكُمْ في موضع الحال من ضمير الفاعل. وقوله سبحانه: بِجَهالَةٍ حال أيضا على الأظهر أي من عمل ذنبا وهو جاهل أي فاعل فعل الجهلة لأن من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل الجهل والسفه لا من أهل الحكمة والتدبير أو جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة.
وعن الحسن كل من عمل معصية فهو جاهل ثُمَّ تابَ عن ذلك مِنْ بَعْدِهِ أي العمل أو السوء وَأَصْلَحَ أي في توبته بأن أتى بشروطها من التدارك والعزم على عدم العود أبدا فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي فشأنه سبحانه وأمره مبالغ في المغفرة والرحمة له. فإن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف، والجملة خبر مَنْ أو جواب الشرط، والخبر حينئذ على الخلاف، وقدر بعضهم فله أنه إلخ أو فعلية إنه إلخ، وحينئذ يجوز الرفع على الابتداء والرفع على الفاعلية، وقيل: إن المنسبك في موضع نصب بفعل محذوف أي فليعلم أنه إلخ، وقيل: إن هذا تكرير لما تقدم لبعد العهد، وقيل: بدل منه، قال أبو البقاء: وكلاهما ضعيف لوجهين الأول أن البدل لا يصحبه حرف معنى إلا أن يجعل الفاء زائدة وهو ضعيف، والثاني أن ذلك يؤدي إلى أن لا يبقى لمن خبر ولا جواب على تقدير شرطيتها، والتزام الحذف بعيد، وفتح الهمزة هنا قراءة من فتح هناك سوى نافع فإنه كباقي القراء قرأ بالكسر.
وأجاز الزجاج كسر الأولى وفتح الثانية، وهي قراءة الأعرج، والزهري، وأبي عمرو الداني، ولم يطلع- على ما قيل- أبو شامة عليه الرحمة على ذلك فقال: إنه محتمل أعرابي وإن لم يقرأ به، وليس كما قال: ومن الناس من قال: إن هذه الآية تقوي مذهب المعتزلة حيث ذكر سبحانه في بيان سعة رحمته أن عمل السوء إذ قارن الجهل والتوبة والإصلاح فإنه يغفر، ولذا قيل: إنها نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه حيث قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو أجبتهم لما قالوا لعل الله تعالى يأتي بهم ولم يكن يعلم المضرة ثم إنه تاب وأصلح حتى أنه بكى وقال معتذرا: ما أردت إلا خيرا. وأورد