وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا أي بواسطتها فَقُلْ لهم أنت أيها الوسيلة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ وهذا لأنهم في مقام الوسائط ولو بلغوا إلى درجة أهل المشاهدة لمنحهم سبحانه بسلامه كما قال عز شأنه: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] وباقي الآية ظاهر.
وقال الإمام الرازي: إن قوله سبحانه: وَإِذا جاءَكَ إلخ مشتمل على أسرار عالية وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى وآيات صفات جلاله وإكرامه وآيات وحدانيته وما سواه سبحانه لا نهاية له فلا سبيل للعقل إلى الوقوف عليه على التفصيل التام إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسابح في تلك البحار وكالسائح في تلك القفار. ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات. وهذا شرح إجمالي لا نهاية لتفاصيله.
ثم إن العبد إذا صار موصوفا بهذه الصفة فعند هذا أمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن يقول لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ فيكون هذا التسليم بشارة بحصول السلامة: وقوله سبحانه: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ بشارة بحصول الكرامة عقيب تلك السلامة. أما السلامة فبالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخافات وموضع التغيرات والتبدلات، وأما الكرامة فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات القدسيات والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال انتهى.
وقال آخر: الإشارة إلى نوع من السالكين أي إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا بمحو صفاتهم في صفاتنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لتنزهكم عن عيوب صفاتكم وتجردكم عن ملابسها كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي ألزم ذاته المقدسة رحمة إبدال صفاتكم بصفاته لكم لأن في الله سبحانه خلفا عن كل ما فات أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ أي ظهر عليه في تلوينه صفة من صفاته بغيبة أو غفلة ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ أي بعد ظهور تلك الصفة بأن رجع عن تلوينه وفاء إلى الحضور وَأَصْلَحَ أي ما ظهر منه بالخضوع والتضرع بين يديه سبحانه والرياضة فَأَنَّهُ عز شأنه غَفُورٌ يسترها عنه رَحِيمٌ يرحمه بهبة التمكين ونعمة الاستقامة وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي مثل ذلك التبيين الذي بيناه لهؤلاء المؤمنين نبين لك صفاتنا وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ وهم المحجوبون بصفاتهم الذين يفعلون لذلك ما يفعلون. والله تعالى الموفق للصواب.
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أمر له صلّى الله عليه وسلّم بالرجوع إلى خطاب المصرين على الشرك إثر ما أمر بمعاملة من عداهم بما يليق بحالهم أي قل لهم قطعا لأطماعهم الفارغة عن ركونك إليهم وبيانا لكون ما هم عليه هوى محضا وضلالا صرفا إني صرفت ومنعت بالأدلة الحقانية والآيات القرآنية أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ أي عن عبادة الآلهة الذين تَدْعُونَ أي تعبدونهم أو تسمونهم آلهة مِنْ دُونِ اللَّهِ سواء كانوا ذوي عقول أم لا.