للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إنه جمع مفتاح كما قيل في جمع محراب محارب، والكلام على الاستعارة حيث شبه الغيب بالأشياء المستوثق منها بالإقفال وأثبت له المفاتيح تخييلا وهي باقية على معناها الحقيقي، وجعلها بمعنى العلم قرينة المكنية بناء على أنه لا يلزم أن تكون حقيقة بعيد، وأبعد منه تكلف التمثيل. وقيل: الأقرب أن يعتبر هناك استعارة مصرحة تحقيقية بأن يستعار العلم للمفاتح وتجعل القرينة الإضافة إلى الغيب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أن المراد من المفاتح الخزائن فهي حينئذ جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن.

وجوز الواحدي أن يكون مصدرا بمعنى الفتح وليس بالمتبادر. وفي الكلام استعارة مكنية تخييلية، وتقديم الخبر لإفادة الحصر. والمراد بالغيب المغيبات على سبيل الاستغراق، والمقصود على كل تقدير أنه سبحانه هو العالم بالمغيبات جميعها كما هي ابتداء لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ في موضع الحال من مفاتح، والعامل فيها- كما قال أبو البقاء- ما تعلق به الظرف أو نفسه إن رفعت به، ويجوز أن يكون تأكيدا لمضمون ما قبله، والكلام إما مسوق لبيان اختصاص المقدورات الغيبية به سبحانه من حيث العلم إثر بيان اختصاص كلها به تعالى من حيث القدرة، والمعنى أن ما تستعجلون به من العذاب ليس مقدورا لي حتى ألزمكم بتعجيله ولا معلوما لدي حتى أخبركم بوقت نزوله بل هو مما يختص به جل شأنه قدرة وعلما فينزله حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم، وأما لإثبات العلم العام له سبحانه وهو علمه بكل شيء بعد إثبات العلم الخاص وهو علمه بالظالمين، وذكر الإمام أن معنى الآية على تقدير أن يراد بالمفاتح الخزائن أنه سبحانه القادر على جميع الممكنات كما في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ [الحجر: ٢١] .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: مفاتح الغيب خمس وتلا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان: ٣٤] الآية، وروي نحوه عن ابن مسعود، وأخرج أحمد، والبخاري، وغيرهما عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا نحو ذلك، ولعل الحمل على الاستغراق أولى، وما في الأخبار يحمل على بيان البعض المهم لا على دعوى الحصر إذ لا شبهة في أن ما عدا الخمس من المغيبات لا يعلمه أيضا إلا الله تعالى.

وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عطف على جملة وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ إلخ أو على الجملة قبله وهو ظاهر على تقدير حاليتها، وأما على تقدير كونها تأكيدا فقد منعه البعض لأن المعطوف لا يصلح للتأكيد ولو كان علمه سبحانه بالمغيبات عند المحقين على وجه التفصيل والاختصاص لأن علم الغيب والشهادة متغايران فلا يؤكد أحدهما الآخر.

نعم قيل: من لم يجعلها مؤكدة جوز العطف عليها فيكون الجملتان مستأنفتين لتفصيل علمه سبحانه وشموله لا غير، وجوز أن يكون المجموع مؤكدا لاشتماله على مضمون ما قبله لأنه ليس توكيدا اصطلاحيا، والمراد من هذه الجملة- كما قال غير واحد- بيان تعلق علمه تعالى بالمشاهدات إثر بيان تعلقه بالمغيبات تكملة له وتنبيها على أن الكل بالنسبة إلى علمه المحيط سواء، والمراد من من البر الصحراء ومن البحر خلافه، وفي القاموس أنه الماء الكثير أو الملح فقط ويجمع وجمعه أبحر وبحوز وبحار وتصغيره أبيحر لا بحير. وعن مجاهد أن المراد بالبر القفار وبالبحر كل قرية فيها ماء وهو خلاف الظاهر، وأيا ما كان فالمعنى يعلم ما فيهما من الموجودات مفصلة على اختلاف أجناسها وأنواعها وتكثر أفرادها.

وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها أي وما تسقط ورقة من أي شجرة كانت إلا عالما بها، فمن زائدة في الفاعل، والجملة بعد إلا في موضع الحال منه، وجاءت الحال من النكرة لاعتمادها على النفي، والتفريغ في الحال شائع سائغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>