كان سببا لعدم إصغائهم، وقوله تعالى: هذا أَكْبَرُ تأكيد لما رامه عليه الصلاة والسلام من إظهار النصفة مع إشارة خفية- كما قيل- إلى فساد دينهم من جهة أخرى ببيان أن الأكبر أحق بالربوبية من الأصغر، وكون الشمس أكبر مما قبلها مما لا خفاء فيه، والآثار في مقدار جرمها مختلفة. والذي عليه محققو أهل الهيئة أنها مائة وستة وستون مثلا وربع وثمن مثل الأرض وستة آلاف وستمائة وأربعة وأربعون مثلا وثلثا مثل للقمر، وذكروا أن الأرض تسعة وثلاثون مثلا وخمس وعشر مثل للقمر، وتحقيق ذلك في شرح مختصر الهيئة للبرجندي فَلَمَّا أَفَلَتْ كما أفل ما قبلها قالَ لقومه صادحا بالحق بين ظهرانيهم: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أي من إشراككم أو من الذي تشركونه من الاجرام المحدثة المتغيرة من حال إلى أخرى المسخرة لمحدثها، وإنما احتج عليه السلام بالأفول دون البزوغ مع أنه أيضا انتقال قيل لتعدد دلالته لأنه انتقال مع احتجاب والأول حركة وهي حادثة فيلزم حدوث محلها، والثاني اختفاء يستتبع إمكان موصوفه ولا كذلك البزوغ لأنه وإن كان انتقالا مع البروز لكن ليس للثاني مدخل في الاستدلال.
واعترض بأن البزوغ أيضا انتقال مع احتجاب لأن الاحتجاب في الأول لا حق وفي الثاني سابق، وكونه عليه السلام رأى الكوكب الذي يعبدونه في وسط السماء- كما قيل- ولم يشاهد بزوغه فإنما يصير نكتة في الكوكب دون القمر والشمس إلا أن يقال بترجح الأفول بعمومه بخلاف البزوغ.
والأولى ما قيل: إن ترتيب هذا الحكم ونظيريه على الأفول دون البزوغ والظهور من ضروريات سوق الاحتجاج على هذا المساق الحكيم فإن كلّا منهما وإن كان في نفسه انتقالا منافيا لاستحقاق معروضه للربوبية قطعا لكن لما كان الأول حالة موجبة لظهور الآثار والأحكام ملائمة لتوهم الاستحقاق في الجملة رتب عليه الحكم الأول أعني هذا ربي على الطريقة المذكورة، وحيث كان الثاني حالة مقتضية لانطماس الآثار وبطلان الأحكام المنافيين للاستحقاق المذكور منافاة بينة يكاد يعترف بها كل مكابر عنيد رتب عليها ما رتب انتهى.
وبمعنى هذا ما قاله الإمام في وجه الاستدلال بالأفول من أن دلالته على المقصود ظاهرة يعرفها كل أحد، فإن الآفل يزول سلطانه وقت الأفول، ونقل عن بعض المحققين أن الهوي في حضيض الإمكان أفول وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الأوساط وحصة العوام فالخواص يفهمون من الأفول الإمكان وكل ممكن محتاج والمحتاج لا يكون مقطعا للحاجة فلا بد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الإمكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال سبحانه: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] وأما الأوساط فهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة وكل متحرك محدث وكل محدث فهو محتاج إلى القديم القادر فلا يكون الآفل إلها بل الإله هو الذي احتاج إليه ذلك الآفل، وأما العوام فإنهم يفهمون من الأفول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول والغروب فإنه يزول نوره وينتقص ضوءه ويذهب سلطانه ويصير كالمعزول ومن كان كذلك لم يصلح للإلهية ثم قال: فكلمة لا أحب الآفلين مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فكانت أكمل الدلائل وأفضل البراهين، وهناك أيضا دقيقة أخرى وهو أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب أهل النجوم أن الكوكب إذا كان في الربع الشرقي وكان صاعدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثير. أما إذا كان غريبا وقريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر قليل القوة فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير عاجزا عن التدبير وذلك يدل على القدح في إلهيته.