ويظهر من هذا أن للأفول على قول المنجمين مزيد خاصية في كونه موجبا للقدح في إلهيته، ولا يخفى أن فهم الهوى في حضيض الإمكان من فَلَمَّا أَفَلَ في هذه الآية مما لا يكاد يسلم، وكون المراد فلما تحقق إمكانه لظهور أمارات ذلك من الجسمية والتحيز مثلا قال إلخ لا يخفى ما فيه، نعم فهم هذا المعنى من لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ربما يحتمل على بعد، ونقل عن حجة الإسلام الغزالي أنه حمل الكوكب على النفس الحيوانية التي لكل كوكب والقمر على النفس الناطقة التي لكل فلك، والشمس على العقل المجرد الذي لكل فلك، وعن بعضهم أنه حمل الكوكب على الحس، والقمر على الخيال والوهم والشمس على العقل، والمراد أن هذه القوى المدركة قاصرة متناهية القوة ومدبر العالم مستولي عليها قاهر لها وهو خلاف الظاهر أيضا، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة نظير ذلك، وإنما لم يقتصر عليه السلام في الاحتجاج على قومه بأفول الشمس مع أنه يلزم من امتناع صفة الربوبية فيها لذلك امتناعها في غيرها من باب أولى.
وفيه أيضا رعاية الإيجاز والاختصار ترقيا من الأدون إلى الأعلى مبالغة في التقرير والبيان على ما هو اللائق بذلك المقام ولم يحتج عليهم بالجسمية والتحيز ونحوهما مما يدركه الرائي عند الرؤية في أمارات الحدوث والإمكان اختيارا لما هو أوضح من ذلك في الدلالة وأتم، ثم إنه عليه السلام لما تبرأ منه توجه إلى مبدع هذه المصنوعات وموجدها فقال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ أي أوجد وأنشأ السَّماواتِ التي هذه الأجرام من أجزائها وَالْأَرْضَ التي تلك الأصنام من أجزائها حَنِيفاً أي مائلا عن الأديان الباطلة والعقائد الزائغة كلها وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أصلا في شيء من الأقوال والأفعال، والمراد من توجيه الوجه للذي فطر إلخ قصده سبحانه بالعبادة.
وقال الإمام: المراد وجهت عبادتي وطاعتي، وسبب جواز هذا الجواز أن من كان مطيعا لغيره منقادا لأمره فإنه يتوجه بوجهه إليه فجعل توجه الوجه إليه كناية عن الطاعة، والظاهر أن اللام صلة وجه. وفي الصحاح وجهت وجهي لله وتوجهت نحوك وإليك، وظاهره التفرقة بين وجه وتوجه باستعمال الأول باللام والثاني بإلى، وعليه وجه اللام هنا دون إلى ظاهر، وليس في القاموس تعرض لهذا الفرق. وادعى الإمام أنه حيث كان المعنى توجيه وجه القلب إلى خدمته تعالى وطاعته لأجل عبوديته لا توجه القلب إليه جل شأنه لأنه متعال عن الحيز والجهة تركت إلى واكتفى باللام فتركها. والاكتفاء باللام هاهنا دليل ظاهر على كون المعبود متعاليا عن الحيز والجهة وفي القلب من ذلك شيء. فإن قيل: إن قصارى ما يدل عليه الدليل أن الكوكب والشمس والقمر لا يصلح شيء منها للربوبية والألوهية ولا يلزم من هذا القدر نفي الشرك مطلقا وإثبات التوحيد فلم جزم عليه السلام بإثبات التوحيد ونفي الشرك بعد إقامة ذلك الدليل، فالجواب بأن القوم كانوا مساعدين على نفي سائر الشركاء وإنما نازعوا في هذه الصورة المعينة فلما ثبت بالدليل على أن هذه الأشياء ليست أربابا ولا آلهة وثبت بالاتفاق نفي غيرها لا جرم حصل الجزم بنفي الشركاء على الإطلاق. ثم إن المشهور أن هذا الاستدلال من أول ضروب الشكل الثاني.
والشخصية عندهم في حكم الكلية كأنه قيل: هذا أو القمر أو هذه أفل أو أفلت ولا شيء من الإله بآفل أو ربي ليس بآفل ينتج هذا أو القمر أو هذه ليس بإله أو ليس بربي. أما الصغرى فهي كالمصرح بها في قوله تعالى: فَلَمَّا أَفَلَتْ في الموضعين، وقوله سبحانه: فَلَمَّا أَفَلَ في الأخير، وأما الكبرى فمأخوذة من قوله تعالى: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لأنه يشير إلى قياس. وهو كل آفل لا يستحق العبودية. وكل من لا يستحق العبودية فلبس بإله ينتج من الأول كل آفل ليس بإله، ويستلزم لا شيء من الآفل بإله لاستلزام الموجبة المعدولة السالبة المحصلة. ويصح جعل