مفرغا. وقال بعضهم: إن المصدر منصوب على الظرفية من غير تقدير وقت، ومنع ذلك ابن الأنباري مفرقا بين المصدر الصريح فيجوز نصبه على الظرفية وغير الصريح فلا يجوز فيه ذلك. وابن جني لا يفرق بين الصريح وغيره ويجوز ذلك فيهما على السواء، والاستثناء متصل في رأي. وشَيْئاً مفعول به أو مفعول مطلق أي لا أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئته تعالى شيئا من إصابة مكروه لي من جهتها أو شيئا من مشيئته تعالى إصابة مكروه لي من جهتها وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم في إيجاده وإحداثه. وجوز بعضهم أن يكون الاستثناء منقطعا على معنى ولكن أخاف أن يشأ ربي خوفي ما أشركتم به، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام إشارة إلى أن مشيئته تلك إن وقعت غير خالية عن مصلحة تعود إليه بالتربية أو إظهار منه عليه الصلاة والسلام لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى واستسلام لأمره واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته تعالى.
وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً كأنه تعليل للاستثناء أي أحاط بكل شيء علما فلا يبعد أن يكون في علمه سبحانه إنزال المكروه بي من جهتها بسبب من الأسباب، ونصب عِلْماً على التمييز المحول عن الفاعل، وجوز أن يكون نصبا على المصدرية لوسع من غير لفظه، وفي الإظهار في موضع الإضمار تأكيد للمعنى المذكور واستلذاذ بذكره تعالى: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ أي أتعرضون بعد ما أوضحته لكم عن التأمل في أن آلهتكم بمعزل عن القدرة على شيء ما من النفع أو الضر فلا تتذكرون أنها غير قادرة على إضراري. وفي إيراد التذكر دون التفكر ونحوه إشارة إلى أن أمر آلهتهم مركوز في العقول لا يتوقف إلا على التذكير.
وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ استئناف- كما قال شيخ الإسلام- مسوق لنفي الخوف عنه عليه السلام بحسب زعم الكفرة بالطريق الإلزامي بعد نفيه عنه بحسب الواقع ونفس الأمر والاستفهام لإنكار الوقوع ونفيه بالكلية وفي توجيه الإنكار إلى كيفية الخوف من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال: أأخاف لما أن كل موجود لا يخلو عن كيفية فإذا انتفى جميع كيفياته فقد انتفى وجوده من جميع الجهات بالطريق البرهاني، وكَيْفَ حال والعوامل فيها أَخافُ وما موصولة أو نكرة موصوفة والعائد محذوف، وجوز أن تكون مصدرية. وقوله تعالى: وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ في موضع الحال من ضمير أخاف بتقدير مبتدأ لمكان الواو. وقيل: لا حاجة إلى التقدير لأن المضارع المنفي قد يقرن بالفاء، ولا حاجة هنا إلى ضمير عائد إلى ذي الحال لأن الواو كافية في الربط وهو مقرر لإنكار الخوف ونفيه عنه عليه السلام ومفيد لاعترافهم بذلك فإنهم حيث لم يخافوا في محل الخوف فلأن لا يخاف عليه السلام في محل الأمن أولى وأحرى أي كيف أخاف أنا ما ليس في حيز الخوف أصلا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو إشراككم بالله تعالى الذي فطر السماوات والأرض ما هو من جملة مخلوقاته، وعبر عنه بقوله سبحانه: ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً أي حجة على طريق التهكم- قيل- مع الإيذان بأن الأمور الدينية لا يعول فيها إلا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى. وضمير بِهِ عائد على الموصول والكلام على حذف مضاف أي بإشراكه. وجوز أن يكون راجعا إلى الإشراك المقيد بتعلقه بالموصول ولا حاجة إلى العائد، وهو- على ما قيل- مبني على مذهب الأخفش في الاكتفاء في الربط برجوع العائد إلى ما يتلبس بصاحبه. وذكر متعلق الإشراك وهو الاسم الجليل في الجملة الحالية دون الجملة الأولى- قيل- لأن المراد في الجملة الحالية تهويل الأمر وذكر المشرك به أدخل في ذلك.
وقال بعض المحققين: الظاهر أن يقال في وجه الذكر في الثانية والترك في الأولى إنه لما قيل قبيل هذا وَلا