للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ به كان ما هنا كالتكرار له فناسب الاختصار وأنه عليه السلام حذفه إشارة إلى بعد وحدانيته تعالى عن الشرك فلا ينبغي عنده نسبته إلى الله تعالى ولا ذكر معه. ولما ذكر حال المشركين الذين لا ينزهونه سبحانه عن ذلك صرح به، وقيل: إن ذكر الاسم الجليل في الجملة الثانية ليعود إليه الضمير في «ما لم ينزل» وليس بشيء لأنه يكفي سبق ذكره في الجملة، وقيل: لأن المقصود إنكاره عليه السلام عدم خوفهم من إشراكهم بالله تعالى لأنه المنكر المستبعد عند العقل السليم لا مطلق الإنكار ولا كذلك في الجملة الأولى فإن المقصود فيها إنكار أن يخاف عليه السلام غير الله تعالى سواء كان مما يشركه الكفار أو لا وليس بشيء أيضا لأن الجملة الثانية ليست داخلة مع الأولى في حكم الإنكار إلا عند مدعي العطف وهو مما لا سبيل إليه أصلا لإفضائه إلى فساد المعنى قطعا لما تقدم أن الإنكار بمعنى النفي بالكلية فيؤول المعنى إلى نفي الخوف عنه عليه السلام ونفي نفيه عنهم وأنه بين الفساد، وأيضا أن ما أَشْرَكْتُمْ كيف يدل على ما سوى الله تعالى غير الشريك أن هذا لا شيء عجاب ثم إن الآية نص في أن الشرك مما لم ينزل به سلطان. وهل يمتنع عقلا حصول السلطان في ذلك أم لا؟ ظاهر كلام بعضهم. وفي أصول الفقه ما يؤيده في الجملة الثانية والذي اختاره الأول، وقول الإمام: إنه لا يمتنع عقلا أن يؤمر باتخاذ تلك التماثيل والصور قبلة للدعاء ليس من محل الخلاف كما لا يخفى على الناظر فانظر.

فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ كلام مرتب على إنكار خوفه عليه السلام في محل الأمن مع تحقق عدم خوفهم في محل الخوف مسوق لإلجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه السلام لما هو عليه من الأمن وبعدم استحقاقهم لما هم عليه، وبهذا يعلم ما في دعوى أن الإنكار في الجملة الأولى لنفي الوقوع وفي الثانية لاستبعاد الواقع، وإنما جيء بصيغة التفضيل المشعرة باستحقاقهم له في الجملة لاستنزالهم عن رتبة المكابرة والاعتساف بسوق الكلام على سنن الإنصاف، والمراد بالفريقين الفريق الآمن في محل الأمن والآمن في محل الخوف، فإيثار ما في النظم الكريم- كما قيل- على أن يقال: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ لتأكيد الإلجاء إلى الجواب بالتنبيه على علة الحكم والتفادي عن التصريح بتخطئتهم التي ربما تدعو إلى اللجاج والعناد مع الإشارة بما في النظم إلى أن أحقية الأمن لا تخصه عليه السلام بل تشمل كل موحد ترغيبا لهم في التوحيد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي من هو أحق بذلك أو شيء من الأشياء أو إن كنتم من أولي العلم فأخبروني بذلك. وقرىء «سلطانا» بضم اللام، وهي لغة اتبع فيها الضم الضم الَّذِينَ آمَنُوا استئناف يحتمل أن يكون من جهته تعالى مبين للجواب الحق الذي لا محيد عنه.

وروي ذلك عن محمد بن إسحاق، وابن زيد، والجبائي، ويحتمل أن يكون من جهة إبراهيم عليه السلام. وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه، واستشكل كونه استئنافا بأنه لا يمكن جعله بيانيا لأنه ما كان جواب سؤال مقدر، وهذا جواب سؤال محقق ولا نحويا لما قال ابن هشام: إن الاستئناف النحوي ما كان في ابتداء الكلام ومنقطعا عما قبله وهذا مرتبط بما قبله لارتباط الجواب والسؤال ضرورة وليس عندنا غيرهما.

وأجيب باختيار كونه نحويا. ومعنى كونه منقطعا عما قبله أن لا يعطف عليه ولا يتعلق به من جهة الإعراب وإن ارتبط بوجه آخر، وقيل: المراد بابتداء الكلام ابتداؤه تحقيقا أو تقديرا أي الفريق الذين آمنوا بما يجب الإيمان به وَلَمْ يَلْبِسُوا أي لم يخالطوا إِيمانَهُمْ ذلك بِظُلْمٍ أي شرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون أنهم مؤمنون بالله تعالى وإن عبادتهم لغيره سبحانه معه من تتمات إيمانهم وأحكامه لكونها لأجل التقريب والشفاعة كما ينبىء عنه قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: ٣] وإلى تفسير الظلم بالشرك هنا ذهب ابن عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>