رضي الله تعالى عنهما، وابن المسيب، وقتادة، ومجاهد، وأكثر المفسرين. ويؤيد ذلك أن الآية واردة مورد الجواب عن حال الفريقين.
ويدل عليه ما
أخرجه الشيخان، وأحمد، والترمذي، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان عليه السلام لابنه يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣]
ولا يقال: إنه لا يلزم من قوله: إِنَّ الشِّرْكَ إلخ أن غير الشرك لا يكون ظلما لأنهم قالوا: إن التنوين في بِظُلْمٍ للتعظيم فكأنه قيل: لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم، ولما تبين أن الشرك ظلم عظيم علم أن المراد لم يلبسوا إيمانهم بشرك أو أن المتبادر من المطلق أكمل افراده، وقيل: المراد به المعصية وحكي ذلك عن الجبائي، والبلخي، وارتضاه الزمخشري تبعا لجمهور المعتزلة.
واستدلوا بالآية على أن صاحب الكبيرة لا أمن له ولا نجاة من العذاب حيث دلت بتقديم لهم الآتي على اختصاص الأمن بمن لم يخلط إيمانه بظلم أي بفسق وادعوا أن تفسيره بالشرك يأباه ذكر اللبس أي الخلط إذ هو لا يجامع الإيمان للضدية وإنما يجامع المعاصي، والحديث خبر واحد فلا يعمل به في مقابلة الدليل القطعي، والقول بأن الفسق أيضا لا يجامع الإيمان عندهم أيضا فلا يتم لهم الاستدلال لكونه اسما لفعل الطاعات واجتناب السيئات حتى أن الفاسق ليس بمؤمن كما أنه ليس بكافر مدفوع- كما قيل- بأنه كثيرا ما يطلق الإيمان على نفس التصديق بل لا يكاد يفهم منه بلفظ الفعل غير هذا حتى أنه يعطف عليه عمل الصالحات كما جاء في غير ما آية. وأجيب بأنه أريد بالإيمان تصديق القلب وهو قد يجامع الشرك كأن يصدق بوجود الصانع دون وحدانيته كما أشرنا إليه آنفا، ومن ذلك قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦] وكذا إذا أريد به مطلق التصديق سواء كان باللسان أو غيره بل المجامعة على هذا أظهر كما في المنافق ولو أريد به التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر يقال: إنه لا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك بل تغطيته بالكفر وجعله مغلوبا مضمحلا أو اتصافه بالإيمان ثم الكفر ثم الإيمان ثم الكفر مرارا، وبعد تسليم جميع ما ذكر نقول:
إن قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ إنما يدل على اختصاص الأمن بغير العصاة وهو لا يوجب كون العصاة معذبين البتة بل خائفين ذلك موقعين للاحتمال ورجحان جانب الوقوع. وقيل المراد من الأمن الأمن من خلود العذاب لا الأمن من العذاب مطلقا، والموصول مبتدأ واسم الإشارة مبتدأ ثان والإشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة وفي الإشارة إليه بما فيه معنى البعد بعد وصفه بما ذكر ما لا يخفى، وجملة لَهُمُ الْأَمْنُ من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول، وجوز أن يكون «أولئك» بدلا من الموصول أو عطف بيان له ولَهُمُ هو الخبر والْأَمْنُ فاعلا للظرف لاعتماده على المبتدأ، وأن يكون «لهم» خبرا مقدما والْأَمْنُ مبتدأ مؤخرا والجملة خبر الموصول، وجوز أبو البقاء كون الموصول خبر مبتدأ محذوف وقال: التقدير هم الذين ولا يخلو عن بعد والأكثرون على الأول وَهُمْ مُهْتَدُونَ إلى الحق ومن عداهم في ضلال مبين، وقدر بعضهم إلى طريق توجب الأمن من خلود العذاب وَتِلْكَ إشارة إلى ما احتج به إبراهيم عليه السلام من قوله سبحانه: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ [الأنعام: ٧٦] إلخ، وقيل من قوله سبحانه: أَتُحاجُّونِّي- إلى- وَهُمْ مُهْتَدُونَ وتركيب حجة اصطلاحية منه يحتاج إلى تأمل وما في اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه، وهو مبتدأ وقوله عز شأنه:
حُجَّتُنا خبره، وفي إضافته إلى نون العظمة من التفخيم ما لا يخفى، وقوله تعالى:
آتَيْناها إِبْراهِيمَ أي أرشدناه إليها أو علمناه إياها في موضع الحال من حجة والعالم فيه معنى الإشارة أو