للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والسلام قد امتثل وأتى بجميع ذلك وحصل تلك الأخلاق الفاضلة التي في جميعهم فاجتمع فيه من خصال الكمال ما كان متفرقا فيهم وحينئذ يكون أفضل من جميعهم قطعا كما أنه أفضل من كل واحد منهم وهو استنباط حسن.

واستدل بعضهم بها على أنه صلّى الله عليه وسلّم متعبد بشرع من قبله وليس بشيء، وفي أمره عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهداهم دون الاقتداء بهم ما لا يخفى من الإشارة إلى علو مقامه صلّى الله عليه وسلّم عند أرباب الذوق، والهاء في اقْتَدِهْ هاء السكت التي تزاد في الوقف ساكنة، وقد تثبت في الدرج ساكنة أيضا إجراء للوصل مجرى الوقف، وبذلك قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم. ويحذف الهاء في الوصل خاصة حمزة، والكسائي، وقرأ ابن عامر «اقتده» بكسر الهاء من غير إشباع وهو الذي تسميه القراء اختلاسا وهي رواية هشام عنه. وروى غيره أشباعها وهو كسرها ووصلها بياء، وزعم أبو بكر بن مجاهد أن قراءة ابن عامر غلط معللا ذلك بأن الهاء هاء الوقف فلا تحرك في حال من الأحوال.

وإنما تذكر ليظهر بها حركة ما قبلها. وتعقبه أبو علي الفارسي بأن الهاء ضمير المصدر وليست هاء السكت أي» اقتد الاقتداء» ومثله كما قال أبو البقاء قوله:

هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الوشا إن يلقها ذيب

فإن الهاء فيه ضمير الدرس لا مفعول لأن يدرس قد تعدى إلى القرآن. وقال بعضهم: إن هاء السكت قد تحرك تشبيها لها بهاء الضمير، والعرب كثيرا ما تعطي الشيء حكم ما يشبهه وتحمله عليه، وقد روي قول أبي الطيب:

وأحر قلباه مما قلبه شبم بضم الهاء وكسرها على أنها هاء السكت شبهت بهاء الضمير فحركت. واستحسن صاحب الدر المصون جعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبه الضمير لأن هاءه لا تكسر بعد الألف فكيف ما يشبهها. وزعم الإمام أن إثبات الهاء في الوصل للاقتداء بالإمام ولا يقتدى به في ذلك لأنه يقتضي أن القراءة بغير نقل تقليدا للخط هو وهم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ أي لا أطلب عَلَيْهِ أي على القرآن أو على التبليغ فإن مساق الكلام يدل عليهما وإن لم يجر ذكرهما أَجْراً أي جعلا قل أو أكثر كما لم يسأله من قبلي من الأنبياء عليهم السلام أممهم قيل: وهذا من جملة ما أمرنا بالاقتداء به من هداهم عليهم السلام، وهو ظاهر على ما قاله القطب لأن الكف عن أخذ أجر في مقابلة الإحسان من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وأما على قول من خص الهدى السابق بالأصول فقد قيل: إن بين القول به والقول بذلك الاختصاص تنافيا. وأجيب بأن استفادة الاقتداء بالأصول من الأمر الأول لا ينافي أن يؤمر عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بأمر آخر كالتبليغ. وتقديم المتعلق هناك إنما هو لنفي اتباع طريقة غيرهم في شيء آخر.

واستدل بالآية على أنه يحل أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام. وفيه كلام للفقهاء على طوله مشهور غني عن البيان.

إِنْ هُوَ أي القرآن إِلَّا ذِكْرى أي تذكير فهو مصدر، وحمله على ضمير القرآن للمبالغة ولا حاجة لتأويله بمذكر لِلْعالَمِينَ كافة فلا يختص به قوم دون آخرين واستدل بالآية على عموم بعثته صلّى الله عليه وسلّم.

وَما قَدَرُوا اللَّهَ لما حكى سبحانه عن إبراهيم عليه السلام أنه ذكر دليل التوحيد وإبطال الشرك، وقرر جل شأنه ذلك الدليل بأوضح وجه شرع سبحانه بعد في تقرير أمر النبوة لأن مدار أمر القرآن على إثبات التوحيد،

<<  <  ج: ص:  >  >>