عنهما وعبد بن حميد عن سعيد بن المسيب أهل المدينة من الأنصار. وقيل: أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم مطلقا، وقيل: كل مؤمن من بني آدم عليه السلام. وقيل: الفرس فإن كلا من هؤلاء الطوائف موفقون للإيمان بالأنبياء وبالكتب المنزلة إليهم عاملون بما فيها من أصول الشرائع وفروعها الباقية في شريعتنا. وعن قتادة أنهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورون وعليه يكون المراد بالتوكيل الأمر بما هو أعم من إجراء أحكامها كما هو شأنهم في حق كتابهم ومن اعتقاد حقيتها كما هو شأنهم في حق سائر الكتب التي نور فرقها القرآن، ورجح واختار هذا الزجاج. ورجحه الزمخشري بوجهين، الأول أن الآية التي بعد إشارة إلى الأنبياء المذكورين عليهم السلام فإن لم يكن الموكلون هم لزم الفصل بالأجنبي. الثاني أنه مرتب بالفاء على ما قبله فيقتضي ذلك، واستبعده بعضهم فإن الظاهر كون مصدق النبوة ومنكرها مغايرا لمن أوتيها.
وأخرج ابن حميد وغيره عن أبي رجاء العطاري أنهم الملائكة فالتوكيل حينئذ هو الأمر بإنزالها وحفظها واعتقاد حقيتها، واستبعده الإمام لأن القوم قلما يقع على غير بني آدم، وأيّا ما كان فتنوين قَوْماً للتفخيم كما أشرنا إليه.
وهو مفعول وَكَّلْنا وبِها قبله متعلق بما عنده، وتقديمه على المفعول الصريح لما مر ولأن فيه طولا ربما يؤدي تقديمه إلى الإخلال بتجاوب النظم الكريم أو إلى الفصل بين الصفة والموصوف. والباء التي بعد صلة لكافرين قدمت محافظة على الفواصل والتي بعدها لتأكيد النفي. وجواب الشرط محذوف يدل عليه جملة فَقَدْ وَكَّلْنا إلخ أي فإن يكفر بها هؤلاء فلا اعتداد به أصلا فقد وفقنا للإيمان قوما مستمرين على الإيمان بها والعمل بما فيها ففي إيمانهم مندوحة عن إيمان هؤلاء، ومن هذا يعلم أن الأرجح- كما قال شيخ الإسلام- تفسير القوم بإحدى الطوائف ممن عدا الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام إذ بإيمانهم بالقرآن والعمل بأحكامه يتحقق الغنية عن إيمان الكفرة به والعمل بأحكامه ولا كذلك إيمان الأنبياء والملائكة عليهم السلام أُولئِكَ أي الأنبياء المذكورون كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والسدي، وابن زيد، وقيل: الإشارة إلى المؤمنين الموكلين. وروي ذلك عن الحسن وقتادة ولا يخفى ما فيه، وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي هديناهم إلى الحق والصراط المستقيم، والالتفات إلى الاسم الجليل للإشعار بعلة الهداية وحفظ المهدي إليه اعتمادا على غاية ظهوره فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ أي اجعل هداهم منفردا بالاقتداء واجعل الاقتداء مقصورا عليه، والمراد بهداهم عند جمع طريقهم في الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع القابلة للنسخ فإنها بعد النسخ لا تبقى هدى وهم أيضا مختلفون فيها فلا يمكن التأسي بهم جميعا، ومعنى أمره صلّى الله عليه وسلّم بالاقتداء بذلك الأخذ به لا من حيث إنه طريق أولئك الفخام بل من حيث إنه طريق العقل والشرع ففي ذلك تعظيم لهم وتنبيه على أن طريقهم هو الحق الموافق لدليل العقل والسمع، وبهذا أجاب العلامة الثاني عما أورده سؤالا من أن الواجب في الاعتقادات وأصول الدين هو اتباع الدليل من العقل والسمع فلا يجوز سيما للنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقلد غيره فما معنى أمره عليه الصلاة والسلام بالاقتداء. وأورد عليه أن اعتقاده عليه الصلاة والسلام حينئذ ليس لأجل اعتقادهم بل لأجل الدليل فلا معنى لأمره بالاقتداء بذلك. واعترض أيضا بأن الأخذ بأصول الدين حاصل له قبل نزول الآية فلا معنى للأمر بأخذ ما قد أخذ قبل، اللهم إلا أن يحمل على الأمر بالثبات عليه. وحقق القطب الرازي في حواشيه على الكشاف أنه يتعين أن الاقتداء المأمور به ليس إلا في الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة كالحلم، والصبر، والزهد، وكثرة الشكر، والتضرع ونحوها ويكون في الآية دليل على أنه صلّى الله عليه وسلّم أفضل منهم قطعا لتضمنها أن الله تعالى هدى أولئك الأنبياء عليهم السلام إلى فضائل الأخلاق وصفات الكمال وحيث أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقتدي بهداهم جميعا امتنع للعصمة أن يقال: إنه لم يمتثل فلا بد أن يقال: إنه عليه