للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرواحهم وهم أعوان ملك الموت باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أي بالعذاب، وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم يضربون وجوههم وأدبارهم قائلين لهم أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ أي خلصوها مما أنتم فيه من العذاب، والأمر للتوبيخ والتعجيز، وذهب بعضهم أن هذا تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له: أخرج ما لي عليك الساعة ولا أريم مكاني حتى أنزعه من أحداقك، وفي الكشف أنه كناية عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال ولا بسط ولا قول حقيقة هناك، واستظهر ابن المنير أنهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة على الصور المحكية، وإذا أمكن البقاء على الحقيقة فلا معدل عنها.

الْيَوْمَ المراد به مطلق الزمان لا المتعارف، وهو إما حين الموت وما يشمله وما بعده تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي المشتمل على الهوان والشدة والإضافة كما في رجل سوء تفيد أنه متمكن في ذلك لأن الاختصاص الذي تفيده الإضافة أقوى من اختصاص التوصيف، وجوز أن تكون الإضافة على ظاهرها لأن العذاب قد يكون للتأديب لا للهوان والخزي. ومن الناس من فسر غمرات الموت بشدائد العذاب في النار فإنها وإن كانت أشد من سكرات الموت في الحقيقة إلا أنها استعملت فيها تقريبا للإفهام، وبسط الملائكة أيديهم بضربهم للظالمين في النار بمقامع من حديد والإخراج بالإخراج من النار وعذابها واليوم باليوم المعلوم بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ مفترين عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ من نفي إنزاله على بشر شيئا وادعاء الوحي أو من نسبة الشرك إليه ودعوى النبوة كذبا ونفيها عمن اتصف بها حقيقة أو نحو ذلك. وفي التعبير بغير الحق عن الباطل ما لا يخفى وهو مفعول تَقُولُونَ، وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي قولا غير الحق وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ أي تعرضون فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون وَلَقَدْ جِئْتُمُونا

للحساب فُرادى أي منفردين عن الأعوان والأوثان التي زعمتم أنها شفعاؤكم أو عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا. أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وغيرهما عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت، والجملة على ما ذهب إليه بعض المحققين مستأنفة من كلامه تعالى ولا ينافي قوله تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ [البقرة: ١٧٤] ، آل عمران: ٧٧] لأن المراد نفي تكليمهم بما ينفعهم أو لأنه كناية عن الغضب، وقيل: معطوفة على قول: الملائكة أَخْرِجُوا إلخ وهي من جملة كلامهم وفيه بعد وإن ظنه الإمام أولى وأقوى. ونصب فُرادى على الحال من ضمير الفاعل وهو جمع فرد على خلاف القياس كأنه جمع فردان كسكران على ما في الصحاح، والألف للتأنيث ككسالى، والراء في فرده مفتوحة عند صاحب الدر المصون وحكي بصيغة التمريض سكونها، ونقل عن الراغب أنه جمع فريد كأسير وأسارى، وفي القاموس يقال: جاؤوا فرادا وفرادا وفرادى وفرادا وفردى كسكرى أي واحد وفراد بعد واحد والواحد فرد وفرد وفريد وفردان. ولا يجوز فرد في هذا المعنى، ولعل هذا بعيد الإرادة في الآية. وقرى «فرادا» كرخال المضموم الراء وفراد كآحاد ورباع في كونه صفة معدولة. ولا يرد أن مجيء هذا الوزن المعدول مخصوص بالعدد بل ببعض كلماته لما نص عليه الفراء وغيره من عدم الاختصاص، نعم هو شائع فيما ذكر. وفردى كسكرى تأنيث فردان والتأنيث لجمع ذي الحال كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بدل من فُرادى بدل كل لأن المراد المشابهة في الانفراد المذكور، والكاف اسم بمعنى مثل أي مثل الهيئة، التي ولدتم عليها في الانفراد ويجوز أن يكون حالا ثانية على رأي من يجوز تعدد الحال من غير عطف وهو الصحيح أو حالا من الضمير في فُرادى فهي حال مترادفة أو متداخلة والتشبيه أيضا في الانفراد، ويحتمل أن يكون باعتبار ابتداء الخلقة أي مشبهين ابتداء خلقكم بمعنى شبيهة حالكم حال ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلا بهما، وجوز أن يكون صفة مصدر جِئْتُمُونا أي مجيئا كخلقنا لكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>