للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قرأت هذه الآية فقالت: يا رسول الله وا سوأتاه إن النساء والرجال سيحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوءة بعض فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض.

وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ أي ما أعطيناكم في الدنيا من المال والخدم وهو متضمن للتوبيخ أي فشغلتم به عن الآخرة وَراءَ ظُهُورِكُمْ ما قدمتم منه شيئا لأنفسكم.

أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن قال: يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذخ فيقول له تبارك وتعالى: أين ما جمعت؟ فيقول: يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان فيقول: أين ما قدمت لنفسك؟ فلا يراه قدم شيئا وتلا هذه الآية،

والجملة قيل مستأنفة أو حال بتقدير قد وَما نَرى أي نبصر وهو- على ما نص عليه أبو البقاء- حكاية حال وبه يتعلق قوله تعالى: مَعَكُمْ وليس حالا من مفعول نَرى أعني قوله سبحانه: شُفَعاءَكُمُ ولا مفعول ثانيا، والرؤية علمية. وإضافة الشفعاء إلى ضمير المخاطبين باعتبار الزعم كما يفصح عنه وصفهم بقوله عز وجل: الَّذِينَ زَعَمْتُمْ في الدنيا أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ أي شركاء الله تعالى في ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم، والزعم هنا نص في الباطل وجاء استعماله في الحق كما تقدمت الإشارة إليه، ومن ذلك قوله:

تقول هلكنا إن هلكت وإنما ... على الله أرزاق العباد كما زعم

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ بنصب- بين- وهي قراءة عاصم، والكسائي، وحفص عن عاصم، واختلف في تخريج ذلك فقيل: الكلام على إضمار الفاعل لدلالة ما قبل عليه أي تقطع الأمر أو الوصل بينكم، وقيل: إن الفاعل ضمير المصدر، وتعقبه أبو حيان بأنه غير صحيح لأن شرط إفادة الإسناد مفقودة فيه وهو تغاير الحكم والمحكوم عليه ولذلك لا يجوز قام ولا جلس وأنت تريد قام هو أي القيام وجلس هو أي الجلوس.

ورد بأنه سمع بدا بداء، وقد قدروا في قوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ [يوسف:

٣٥] بدا البداء.

وقال السفاقسي: إن من جعل الفاعل ضمير المصدر قال: المراد وقع التقطع والتغاير حاصل بهذا الاعتبار ولو سلم فالتقطع المعتبر مرجعا معرف بلام الجنس وتَقَطَّعَ منكر فكيف يقال اتحد الحكم والمحكوم عليه.

ولا يخفى أن القول بالتأويل متعين على هذا التقدير لأنه إذا تقطع التقطع حصل الوصل وهو ضد المقصود وقيل: إن- بين- هو الفاعل وبقي على حاله منصوبا حملا له على أغلب أحواله وهو مذهب الأخفش، وقيل: إنه بني لإضافته إلى مبني، وقيل غير ذلك.

واختار أبو حيان أن الكلام من باب التنازع سلط على ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ تقطع وضل عنكم فأعمل الثاني وهو ضَلَّ وأضمر في تَقَطَّعَ ضميره. والمراد بذلك الأصنام، والمعنى لقد تقطع بينكم ما كنتم تزعمون وضلوا عنكم كما قال تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ [البقرة: ١٦٦] أي لم يبق اتصال بينكم وبين ما كنتم تزعمون أنهم شركاء فعبدتموهم.

وقرأ باقي السبعة «بينكم» بالرفع على الفاعلية وهو من الأضداد كالقرء يستعمل في الوصل والفصل، والمراد به هنا الوصل أي تقطع وصلكم وتفرق جمعكم، وطعن ابن عطية في هذا بأنه لم يسمع من العرب أن البين بمعنى الوصل وإنما انتزع من هذه الآية. وأجيب بأنه معنى مجازي ولا يتوقف على السماع لأن- بين- يستعمل بين الشيئين

<<  <  ج: ص:  >  >>