للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى البياض في جانب المشرق على ما تقدم تفصيله وعلى هذا لا يلزم في الصورة التي ذكرها الإمام من مجاوزة مركز الشمس دائرة نصف الليل وطلوعها على أولئك الأقوام. واستنارة نصف العالم عندهم استنارة الربع الشرقي عندنا لاختلاف الوضع كما لا يخفى على المتأمل، والتزام القول بالكروية والمخروط ونحو ذلك مما ذكره أهل الهيئة لا بأس به، نعم اعتقاد صحة ما يقولونه مما علم خلافه من الدين بالضرورة أو علم بدليل قطعي كفر أو ضلال فتدبر.

وقرىء «فالق» بالنصب على المدح.

وقرأ النخعي «فلق الإصباح» وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً أي يسكن إليه من يتعب بالنهار ويستأنس به لاسترواحه فيه وكل ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا به واسترواحا إليه من زوج أو حبيب يقال له: سكن، ومنه قيل للنار:

سكن لأنه يستأنس بها ولذا سموها مؤنسة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن المعنى يسكن فيه كل طير ودابة. وروي نحوه عن ابن عباس، ومجاهد، رضي الله تعالى عنهم، فالمراد حينئذ جعل الليل مسكونا فيه أخذا له من السكون أي الهدوء والاستقرار كما في قوله تعالى:

لِتَسْكُنُوا فِيهِ [يونس: ٦٧] وقرأ سائر السبعة إلا الكوفيين «جاعل» بالرفع. وقرىء شاذا بالنصب و «الليل» فيهما مجرور بالإضافة، ونصب سَكَناً عند كثير بفعل دل عليه هذا الوصف لا به لأنه يشترط في عمل اسم الفاعل كونه بمعنى الحال أو الاستقبال وهو هنا بمعنى الماضي كما يشهد به قراءة جَعَلَ.

وجوز الكسائي وبعض الكوفيين عمله بمعنى الماضي مطلقا حملا له على الفعل الذي تضمن معناه. وبعضهم جوز عمله كذلك إذا دخلت عليه أل. وآخرون جوزوا عمله في الثاني إذا أضيف إلى الأول لشبهه بالمعروف باللام، وعلى هذا والأول لا يحتاج إلى تقدير فعل بل يكون الناصب هو الوصف، واختار بعضهم كونه الناصب أيضا لكن باعتبار أن المراد به الجعل المستمر في الأزمنة المختلفة لا الزمان الماضي فقط ولا يجري على هذا مجرى الصفة المشبهة لأن ذلك- كما قال بعض المحققين- فيما قصد به الاستمرار مشروط باشتهار الوصف بذلك الاستعمال وشيوعه فيه ونصبه في قراءتنا على أنه مفعول ثان لجعل.

وجوز أن يكون جَعَلَ بمعنى أحدث المتعدي لواحد فيكون نصبا على الحال وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ معطوفان على اللَّيْلَ وعلى قراءة من جره يكون نصبهما بجعل المقدر الناصب لسكنا أو بآخر مثله، وقيل:

بالعطف على محل اللَّيْلَ المجرور فإن إضافة الوصف إليه غير حقيقية إذا لم ينظر فيه إلى المضيء. وقرىء بالجر وهو ظاهر وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مجعولان حُسْباناً أي على أدوار مختلفة يحسب فيها الأوقات التي نيط بها العبادات والمعاملات أو محسوبان حسبانا. والحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب وهذا هو الأصل المسموع في نحو ذلك وما سواه وارد على خلاف القياس كما قيل.

وعن أبي الهيثم أن حُسْباناً جمع حساب مثل ركبان وركاب وشهبان وشهاب وفي إرادته هنا بعد ذلِكَ إشارة إلى جعلهما كذلك.

وقال الطبرسي: إلى ما تقدم من فلق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، والجمهور على الأول وهو الظاهر، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو منزلة المشار إليه وبعد منزلته أي ذلك التسيير البديع الشأن تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ أي الغالب القاهر الذي لا يتعاصاه شيء من الأشياء التي من جملتها تسييرهما على الوجه المخصوص الْعَلِيمِ المبالغ في العلم بجميع المعلومات التي من جملتها ما في ذلك التسيير من المصالح المعاشية والمعادية.

<<  <  ج: ص:  >  >>