وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ أي أنشأ أو صير لَكُمُ أي لأجلكم النُّجُومَ قيل: المراد بها ما عدا النيرين لأنها التي بها الاهتداء الآتي ولأن النجم يخص في العرف بما عداهما. وجوز أن يدخلا فيها فيكون هذا بيانا لفائدتهما العامة إثر بيان فائدتهما الخاصة، والمنجمون يقسمون النجوم إلى ثوابت وسيارات والسيارات سبع بإجماع المتقدمين وثمان بزيادة هرشل عند المنجمين اليوم. والثوابت لا يعلم عدتها إلا الله تعالى. والمرصود منها كما قال عبد الرحمن الصوفي: ألف وخمسة وعشرون بإدخال الضفيرة. ومن أخرجها قال: هي ألف واثنان وعشرون، ورتبوا الثوابت على ست أقدار وسموها أقدارا متزايدة سدسا سدسا، وجعلوا كل قدر على ثلاث مراتب أعظم. وأوسط. وأصغر ولهم تقسيمات لها باعتبارات أخر بنوا عليها ما بنوا ولا يكاد يسلم لهم إلا ما لم يلزم منه محذور في الدين.
لِتَهْتَدُوا بِها بدل من ضمير لَكُمُ بإعادة العامل بدل اشتمال كأنه قيل جعل النجوم لاهتدائكم فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي في ظلمات الليل في البر والبحر، وإضافتها إليهما للملابسة أو في مشتبهات الطرق وسماها ظلمات على الاستعارة، وهذا افراد لبعض منافعها بالذكر حسبما يقتضيه المقام وإلا فهي أجدى من تفاريق العصا، وهي في جميع ما يترتب عليها كسائر الأسباب العادية لا تأثير لها بأنفسها ولا بأس في تعلم علم النجوم ومعرفة البروج والمنازل والأوضاع ونحو ذلك مما يتوصل به إلى مصلحة دينية.
قال العلامة ابن حجر عليه الرحمة: والمنهي عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح. وتغير الأسعار ونحو ذلك يزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها، وهذا علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه أحد غيره فمن ادعى علمه بذلك فهو فاسق بل ربما يؤدي به إلى الكفر، فأما من يقول: إن الاقتران أو الافتراق الذي هو كذا جعله الله تعالى علامة بمقتضى ما اطردت به عادته الإلهية على وقوع كذا وقد يتخلف فلا إثم عليه بذلك، وكذا الأخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعلم به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي من الوقت فإنه لا إثم فيه بل هو فرض كفاية، وأما ما
في حديث الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: «صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصبح في أثر ماء- أي مطر- كان من الليل فلما انصرف أقبل علينا فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أعلم قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال: مطرنا بفضل الله تعالى فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ومن قال: مطرنا بنوء كذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب» .
فقد قال العلماء: إنه محمول على ما إذا قال ذلك مريدا أن النوء هو المحدث أما لو قال ذلك على معنى أن النوء علامة على نزول المطر ومنزله هو الله تعالى وحده فلا يكفر لكن يكره له قول ذلك لأنه من ألفاظ الكفر انتهى.
وأقول: قد كثرت الأخبار في النهي عن علم النجوم والنظر فيها،
فقد أخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد»
وأخرج الخطيب عن ميمون بن مهران. قال: قلت لابن عباس رضي الله تعالى عنهما أوصني قال أوصيك بتقوى الله تعالى وإياك وعلم النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة.
وأخرج عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: نهاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النظر في النجوم. وعن أبي هريرة، وعائشة رضي الله تعالى عنهما نحوه،
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن متعلم حروف أبي جادوراء في النجوم ليس له عند الله تعالى خلاق يوم القيامة» .
وأخرج هو والخطيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا»
إلى غير ذلك من الأخبار، ولعل ما تفيده من النهي