للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعتقدون أنها لتجردها مؤثرة مثله بِغَيْرِ عِلْمٍ منهم أنها أسماؤه وصفاته لا تؤثر إلا به جل شأنه سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ من تقيده بما قيدوه به جل شأنه لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ قال الشيخ الأكبر قدس سره في الباب الحادي والعشرين وأربعمائة: يعني من كل عين من أعين الوجوه وأعين القلوب فإن القلوب ما ترى إلا بالبصر وأعين الوجوه لا ترى إلا بالبصر فالبصر حيث كان به يقع الإدراك فيسمى البصر في العقل عين البصيرة ويسمى في الظاهر بصر العين والعين في الظاهر محل للبصر والبصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه فاختلف الاسم عليه وما اختلف هو في نفسه فكما لا تدركه العيون بأبصارها لا تدركه البصائر بأعينها،

وورد في الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله تعالى احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم»

فاشتركنا في الطلب مع الملأ الأعلى واختلفنا في الكيفية فمنا من يطلبه بفكره والملأ الأعلى له العقل وما له الفكر، ومنا من يطلبه به وليس في الملأ الأعلى من يطلبه به لأن الكامل منا هو على الصورة الإلهية التي خلقه الله تعالى عليها فلهذا يصح ممن هذه صفته أن يطلب الله تعالى به ومن طلبه به وصل إليه فإنه لم يصل إليه غيره وأن الكامل منا له نافلة تزيد على فرائضه إذا تقرب العبد بها إلى ربه أحبه فإذا أحبه كان سمعه وبصره فإذا كان الحق بصر مثل هذا العبد رآه وأدركه ببصره لأن بصره الحق فما أدركه إلا به لا بنفسه وما ثم ملك يتقرب إلى الله تعالى بنافلة بل هم في الفرائض وفرائضهم قد استغرقت أنفاسهم فلا نفل عندهم فليس لهم مقام ينتج أن يكون الحق بصرهم حتى يدركوه به فهم عبيد اضطرار ونحن عبيد اضطرار من فرائضنا وعبيد اختيار من نوافلنا إلى آخر ما قال، وهو صريح في أن بعض الأبصار تدركه لكن من حيثية رفع الغيرية. وقال في الباب الرابع عشر وأربعمائة بعد أن أنشد:

من رأى الحق كفاحا علنا ... إنما أبصره خلف حجاب

وهو لا يعرفه وهو به ... إن هذا لهو الأمر العجاب

كل راء لا يرى غير الذي ... هو فيه من نعيم وعذاب

صورة الرائي تجلت عنده ... وهو عين الراء بل عين الحجاب

فإذا رآه سبحانه الرائي كفاحا فما يراه إلا حتى يكون الحق جل جلاله بصره فيكون هو الرائي نفسه ببصره في صورة عبده فأعطته الصورة المكافحة إذا كانت الحاملة للبصر ولجميع القوى إلخ. وقال في الباب الحادي وأربعمائة بعد أن أنشد:

قد استوى الميت والحي ... في كونهم ما عندهم شيء

مني فلا نور ولا ظلمة ... فيهم ولا ظل ولا في

رؤيتهم لي معدومة ... فنشرهم في كونهم طي

وفهمهم إن كان معناهم ... عنه إذا حققته غي

إن كل مرئي لا يرى الرائي إذا رآه منه إلا قدر منزلته ورتبته فما رآى إلا نفسه ولولا ذلك ما تفاضلت الرؤية في الرائين إذ لو كان هو المرئي ما اختلفوا لكن لما كان هو سبحانه مجلي رؤيتهم أنفسهم لذلك وصفوه بأنه جل شأنه يتجلى ولكن شغل الرائي برؤية نفسه في مجلي الحق حجبه عن رؤية الحق فلو لم تبد للرائي صورته أو صورة كون من الأكوان ربما كان يراه فما حجبنا عنه إلا رؤية نفوسنا فيه فلو زلنا عنا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى بزوالنا من يراه وإن نحن لم نزل فما نرى إلا نفوسنا فيه وصورنا وقدرنا ومنزلتنا فعلى كل حال ما رأيناه وقد نتوسع فنقول: قد رأيناه ونصدق كما أنه لو قلنا رأينا الإنسان صدقنا في أن نقول: رأينا من مضي من الناس ومن بقي ومن في زماننا من كونهم

<<  <  ج: ص:  >  >>