للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ تصريح بما أشعر به قوله عز وجل: وَما يُشْعِرُكُمْ إلخ من الحكمة الداعية إلى ترك الإجابة إلى ما اقترحوا وبيان لكذبهم في إيمانهم على أبلغ وجه وآكده أي ولو أنا لم نقتصر على ما اقترحوه هاهنا بل نزلنا إليهم الملائكة كما سألوه بقولهم: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ [الفرقان: ٢١] وقولهم: لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ [الحجر: ٧] وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى بأن أحييناهم وشهدوا بحقية الإيمان حسبما اقترحوه بقولهم: فَأْتُوا بِآبائِنا [الدخان: ٣٦] وَحَشَرْنا أي جمعنا وسوقنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا أي مقابلة ومعاينة حتى يواجهوهم كما روي عن ابن عباس وقتادة، وهو على هذا مصدر كما قاله غير واحد وإلى ذلك ذهب ابن زيد، وعنه: يقال لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبيلا كله بمعنى واحد وهو المواجهة. ونقل الراغب أنه جمع قابل بمعنى مقابل لحواسهم، وقيل: هو جمع قبيل بمعنى كفيل كرغيف ورغف وقضيب وقضب فهو من قولك: قبلت الرجل وتقبلت به إذا تكفلت به، ومنه القبالة لكتاب العهد والصك. وروي ذلك عن الفراء. وعن مجاهد تفسيره بالجماعة على أنه جمع قبيلة كما قال الراغب. ونقل تفسيره بالكفيل وبالجماعة وكذا بالمعاينة والمقابلة في قوله تعالى: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا [الإسراء: ٩٢] أي لو أحضرنا لديهم كل شيء تتأتى منهم (١) الكفالة والشهادة بحقية الإيمان لا فرادى بل بطريق المعية أو لو حشرنا عليهم كل شيء جماعات في موقف واحد ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا أي ما صح ولا استقام لهم الإيمان، وانتصاب قُبُلًا على هذه الأقوال على أنه حال من «كل» وساغ ذلك على القول بجمعيته لأن كلا يجوز مراعاة معناه ومراعاة لفظه كما نص عليه النحاة واستشهدوا له بقول عنترة:

جادت عليه كل عين ثرة ... فتركن كل حديقة كالدرهم

إذ قال تركن دون تركت فلا حاجة إلى ما قيل: إن ذلك باعتبار لازمه وهو الكل المجموعي: وقرأ نافع وابن عامر «قبلا» بكسر القاف وفتح الباء وهو مصدر بمعنى مقابلة ومشاهدة، ونصبه على الحال كما قال الفراء، والزجاج، وكثير، وعن المبرد أنه بمعنى جهة وناحية فانتصابه على الظرفية كقولهم: لي قبل فلان كذا. وقرىء «قبلا» بضم فسكون. وما كانُوا إلخ جواب لو وهو إذا كان منفيا لا تدخله اللام خلافا لمن وهم فقدرها.

وعلل هذا الحكم بسوء استعدادهم الثابت أزلا في علم الله تعالى المتعلق بالأشياء حسبما هي عليه في نفس


(١) قوله كل شيء تتأتى منهم كذا بخطه والأمر في دلك سهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>