للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: المراد بها حجته عز وجل على خلقه والأول هو الظاهر وقرأ بالتوحيد عاصم، وحمزة، وعلي، وخلف، وسهل، ويعقوب، وقرأ الباقون «كلمات ربك» : صِدْقاً وَعَدْلًا مصدران نصبا على الحال من رَبِّكَ أو من كَلِمَةُ كما ذهب إليه أبو علي الفارسي. وجوز أبو البقاء نصبهما على التمييز وعلى العلة والصدق في الأخبار والمواعيد منها في المشهور والعدل في الأقضية والأحكام لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ استئناف مبين لفضلها على غيرها إثر بيان فضلها في نفسها. وقال بعض المحققين: إنه سبحانه لما أخبر بتمام كلمته وكان التمام يعقبه النقص غالبا كما قيل:

إذا تم أمر بدا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم

ذكر هذا احتراسا وبيانا لأن تمامها ليس كتمام غيرها. وجوز أن يكون حالا من فاعل تَمَّتْ على أن الظاهر مغن عن الضمير الرابط. قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون حالا من ربك لئلا يفصل بين الحال وصاحبها بأجنبي وهو صِدْقاً وَعَدْلًا إلا أن يجعلا حالين منه أيضا. والمعنى لا أحد يبدل شيئا من كلماته بما هو أصدق وأعدل منه ولا بما هو مثله فكيف يتصور ابتغاء حكم غيره تعالى. والمراد بالأصدق الأبين والأظهر صدقا فلا يراد أن الصدق لا يقبل الزيادة والنقص لأن النسبة إن طابقت الواقع فصدق وإلا فكذب.

وذكر الكرماني

في حديث «أصدق الحديث» إلخ

أنه جعل الحديث كمتكلم فوصف به كما يقال زيد أصدق من غيره والمتكلم يقبل الزيادة والنقص في ذلك، وقيل: المعنى لا يقدر أحد أن يحرفها شائعا كما فعل بالتوراة فيكون هذا ضمانا منه سبحانه بالحفظ كقوله جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩] أو لا نبي ولا كتاب بعدها يبدلها وينسخ أحكامها. وعيسى عليه السلام يعمل بعد النزول بها لا ينسخ شيئا كما حقق في محله.

وقيل: المراد أن أحكام الله تعالى لا تقبل التبدل والزوال لأنها أزلية والأزلي لا يزول. وزعم الإمام أن الآية على هذا أحد الأصول القوية في إثبات الجبر، لأنه تعالى لما حكم على زيد بالسعادة وعلى عمرو بالشقاوة ثم قال: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يلزم امتناع أن ينقلب السعيد شقيا والشقي سعيدا فالسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه وأنا أقول: لا يخفى أن الشقي في العلم لا يكون سعيدا والسعيد فيه لا يكون شقيا أصلا لأن العلم لا يتعلق إلا بما المعلوم عليه في نفسه وحكمه سبحانه تابع لذلك العلم. وكذا إيجاده الأشياء على طبق ذلك العلم. ولا يتصور هناك جبر بوجه من الوجوه لأنه عز شأنه لم يفض على القوابل إلا ما طلبته منه جل وعلا بلسان استعدادها كما يشير إليه قوله سبحانه: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ [طه: ٥٠] نعم يتصور الجبر لو طلبت القوابل شيئا وأفاض عليها عز شأنه ضده والله سبحانه أجل وأعلى من ذلك وَهُوَ السَّمِيعُ لكل ما يتعلق به السميع الْعَلِيمُ بكل ما يمكن أن يعلم فيدخل في ذلك أقوال المتحاكمين وأحوالهم الظاهرة والباطنة دخولا أوليا.

ثم إنه تعالى- على ما ذكر الإمام- لما أجاب عن شبهات الكفار وبين بالدليل صحة النبوة أرشد إلى أنه بعد زوال الشبهة وظهور الحجة لا ينبغي أن يلتفت العاقل إلى كلمات الجهال فقال سبحانه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقال شيخ الإسلام: إنه لما تحقق اختصاصه تعالى بالحكمية لاستقلاله بما يوجب ذلك من إنزال الكتاب الفاصل بين الحق والباطل وتمام صدق كلامه وكمال عدله في أحكامه وامتناع وجود من يبدل شيئا منها واستبداده سبحانه بالإحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات عقب ذلك ببيان أن الكفرة متصفون

<<  <  ج: ص:  >  >>