للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقين منه فإن التصديق يختلف ظنا وتقليدا وتحقيقا، والجار والمجرور متعلق بما بعده وقدم رعاية للفواصل وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنكار لأن يكون لهم شيء يدعوهم إلى الاجتناب عن أكل ما ذكر اسم الله تعالى عليه، فما للاستفهام الإنكاري وليست نافية كما قيل وهي مبتدأ ولَكُمْ الخبر وأن تأكلوا بتقدير حرف الجر أي في أن تأكلوا، والخلاف في محل المنسبك بعد الحذف مشهور.

وجوز أن يكون ذلك حالا، ورد بأن المصدر المؤول من أن والفعل لا يقع حالا كما صرح به سيبويه لأنه معرفة ولأنه مصدر بعلامة حرف الاستقبال المنافية للحالية إلا أن يؤول بنكرة أو يقدر مضاف أي ذوي أن لا تأكلوا ومفعول تَأْكُلُوا كما قال أبو البقاء: محذوف أي شيئا مما إلخ، قيل: وظاهر الآية مشعر بأنه يجوز الأكل مما ذكر اسم الله تعالى عليه وغيره معا وليست من التبعيضية لإخراجه بل لإخراج ما لم يؤكل كالروث والدم وهو خارج بالحصر السابق فلا تغفل، وسبب نزول الآية- على ما قاله الإمام أبو منصور- أن المسلمين كانوا يتحرجون من أكل الطيبات تقشفا وتزهدا فنزلت وقد فضّل لكم ما حرّم عليكم بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً [الأنعام:

١٤٥] الآية فبقي ما عدا ذلك على الحل، وقيل بقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة: ٣] واعترضه الإمام بأن سورة المائدة من أواخر ما نزل بالمدينة وهذه مكية كما علمت فلا يتأتى ذلك وأما التأخر في التلاوة فلا يوجب التأخر في النزول فلا يضر تأخر قُلْ لا أَجِدُ إلخ عن هذه الآية في هذه السورة، وقيل: التفصيل بوحي غير متلو، والجملة حالية مؤكدة للإنكار السابق.

وقرأ أهل الكوفة غير حفص «فصل ما حرم» ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول. وقرأ أهل المدينة، وحفص، ويعقوب، وسهل «فصل وحرم» كليهما بالبناء للفاعل. وقرأهما الباقون بالبناء للمفعول.

إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة، وظاهر تقرير الزمخشري- كما قال العلامة الثاني- يقتضي أن ما موصولة فلا يستقيم غير جعل الاستثناء منقطعا أي لكن الذي اضطررتم إلى أكله مما هو حرام عليكم حلال لكم حال الضرورة، وجوز عليه الرحمة جعله استثناء من ضمير حَرَّمَ وما مصدرية في معنى المدة أي فصّل لكم الأشياء التي حرمت عليكم إلا وقت الاضطرار إليها، واعترض بأنه لا يصح حينئذ الاستثناء من الضمير بل هو استثناء مفرغ من الظرف العام المقدر كأنه قيل: حرمت عليكم كل وقت إلا وقت إلخ، ومن الناس من أورد هنا شيئا لا أظنه مما يضطر إليه حيث قال بعد كلام: والمهم في هذا المقام بيان فائدة إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ وقد أعني عنه قوله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ لأن تفصيل ما حرم يتضمن قوله تعالى. إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وكأن الفائدة فيه والله تعالى أعلم المبالغة في النهي عن الامتناع عن الأكل بأن ما حرم يصير مما لا يؤكل بخلاف ما حل فإنه لا يصير مما لا يؤكل فكيف يجتنب عما يؤكل فتأمل وَإِنَّ كَثِيراً من الكفار لَيُضِلُّونَ الناس بتحريم الحلال وتحليل الحرام كعمرو بن لحي وأضرابه الذين اتخذوا البحائر والسوائب وأحلوا أكل الميتة، وعن الزجاج أن المراد بهذا الكثير الذين ناظروا في الميتة.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب «ليضلّون» بفتح الياء بِأَهْوائِهِمْ الزائغة وشهواتهم الباطلة بِغَيْرِ عِلْمٍ مقتبس من الشريعة مستند إلى الوحي أو بغير علم أصلا- كما قيل- وذكر ذلك للإيذان بأن ما هم عليه محض هوى وشهوة، وجوز أن يكون من قبيل قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران: ١١٢] .

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ المتجاوزين الحق إلى الباطل والحلال إلى الحرام فيجازيهم على ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>