للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المراد بهم هذا الكثير، ووضع الظاهر موضع ضميرهم لوسمحهم بصفة الاعتداء وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ أي ما يعلن وما يسر كما قال مجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس أو ما بالجوارح وما بالقلب- كما قاله الجبائي- أو نكاح ما نكح الآباء ونحوه والزنا بالأجنبيات كما روي عن ابن جبير أو الزنا من الحوانيت واتخاذ الأخدان كما روي عن الضحاك، والسدي، وقد روي أن أهل الجاهلية كانوا يرون أن الزنا إذا ظهر كان إثما وإذا استسر به صاحبه فلا إثم فيه.

قال الطيبي: وهو على هذا الوجه مقصود بالعطف مسبب عن عدم الاتباع، وعلى الأول معترض توكيدا لقوله سبحانه: فَكُلُوا أولا وَلا تَأْكُلُوا ثانيا وهو الوجه، ولعل الأمر على الوجه الذي قبله مثله.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ أي يعملون المعاصي التي فيها الإثم ويرتكبون القبائح الظاهرة أو الباطنة سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ أي يكسبون من الإثم كائنا ما كان فلا بد من اجتناب ذلك، والجملة تعليل للأمر وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أي من الحيوان كما هو المتبادر، والآية ظاهرة في تحريم متروك التسمية عمدا كان أو نسيانا وإليه ذهب داود.

وعن أحمد، والحسن، وابن سيرين، والجبائي مثله، وقال الشافعي بخلافه لما رواه أبو داود وعبد بن حميد عن راشد بن سعد مرسلا ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله تعالى أو لم يذكر. وعن مالك وهي الرواية المعول عليها عند أئمة مذهبه أن متروك التسمية عمدا لا يؤكل سواء كان تهاونا أو غير تهاون، ولأشهب قول شاذ بجواز غير المتهاون في ترك التسمية عليه. وزعم بعضهم أن مذهب مالك كمذهب الشافعي، وآخرون أنه كمذهب داود ومن معه، وما ذكرناه هو الموجود في كتب المالكية وأهل مكة أدرى بشعابها. ومذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه التفرقة بين العمد والنسيان كالصحيح من مذهب مالك، قال العلامة الثاني: إن الناسي على مذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه ليس بتارك للتسمية بل هي في قلبه على ما

روي أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن متروك التسمية ناسيا فقال عليه الصلاة والسلام:

كلوه فإن تسمية الله تعالى في قلب كل مسلم

ولم يلحق به العامد إما لامتناع تخصيص الكتاب بالقياس وإن كان منصوص العلة، وإما لأنه ترك التسمية عمدا فكأنه نفي ما في قلبه، واعترض بأن تخصيص العام الذي خص منه البعض جائز بالقياس المنصوص العلة وفاقا وبأنا لا نسلم أن التارك عمدا بمنزلة النافي لما في قلبه بل ربما يكون لوثوقه بذلك وعدم افتقاره لذكره، ثم قال: فذهبوا إلى أن الناسي خارج بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ إذ الضمير عائد إلى المصدر المأخوذ من مضمون لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وهو الترك لكونه الأقرب، ومعلوم أن الترك نسيانا ليس بفسق لعدم تكليف الناسي والمؤاخذة عليه فيتعين العمد.

واعترض ما ذكر بأن كون ذلك فسقا لا سيما على وجه التحقيق والتأكيد خلاف الظاهر ولم يذهب إليه أحد ولا يلائم قوله تعالى: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: ١٤٥] مع أن القرآن يفسر بعضه بعضا سيما في حكم واحد وبأن ما لم يذكر اسم الله عليه يتناول الميتة مع القطع بأن ترك التسمية عليها ليس بفسق، وبعضهم أرجع الضمير إلى ما بمعنى الذبيحة وجعلها عين الفسق على سبيل المبالغة لكن لا بد من ملاحظة كونها متروكة التسمية عمدا إذ لا فسق في النسيان وحينئذ لا يصح الحمل أيضا ومما تقدم يعلم ما فيه. وذكر العلامة للشافعية في دعوى حل متروك التسمية عمدا أو نسيانا وحرمة ما ذبح على النصب أو مات حتف أنفه وجوها الأول أن التسمية على ذكر المؤمن وفي قلبه ما دام مؤمنا فلا يتحقق منه عدم الذكر فلا يحرم من ذبيحته إلا ما أهلّ به لغير الله تعالى.

الثاني أن قوله سبحانه: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ على وجه التحقيق والتأكيد لا يصح في حق أكل ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه عمدا كان أو سهوا إذ لا فسق بفعل ما هو محل الاجتهاد. الثالث أن هذه الجملة في موقع الحال إذ لا

<<  <  ج: ص:  >  >>