للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحسن عطف الخبر على الإنشاء، وقد بين الفسق بقوله عز شأنه: أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فيكون النهي عن الأكل مقيدا بكون ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه قد أهل به لغير الله تعالى فيحل ما ليس كذلك إما بطريق مفهوم المخالفة وإما بحكم الأصل، وإما بالعمومات الواردة في حل الأطعمة. وهذا خلاصة ما ذكره الإمام في مجلس تذكير عقده له سلطان خوارزم فيها بمحضر منه ومن جلة الأئمة الحنفية. وعليه لا حاجة للشافعية إلى دليل خارجي في تخصيص الآية.

واعترض بأنه يقتضي أن لا يتناول النهي أكل الميتة مع أنه سبب النزول. وبأن التأكيد بأن واللام ينفي كون الجملة حالية لأنه إنما يحسن فيما قصده الإعلام بتحققه البتة والرد على منكر تحقيقا أو تقديرا على ما بين في علم المعاني والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير كأنه قيل: لا تأكلوا منه إن كان فسقا فلا يحسن وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ بل وهو فسق. ومن هنا ذهب كثير إلى أن الجملة مستأنفة. وأجيب عن الأول بأنه دخل في قوله تعالى:

وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ما أهل لغير الله وبقوله جل شأنه: وَإِنَّ الشَّياطِينَ إلخ الميتة فيتحقق قولهم: إن النهي مخصوص بما أهل به لغير الله تعالى أو مات حتف أنفه. وأجاب العلامة عن الثاني بأنه لما كان المراد بالفسق هاهنا الإهلال لغير الله تعالى كان التأكيد مناسبا كأنه قيل: لا تأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق والمشركون ينكرونه، ومنهم من تأول الآية بالميتة لأن الجدال فيها كما ستعلم قريبا إن شاء الله تعالى.

واستظهر رجوع الضمير إلى الأكل الذي دل عليه وَلا تَأْكُلُوا والذي يلوح من كلام بعض المحققين أن ما لم يذكر اسم الله عليه عاما لما أهل به لغير الله تعالى ولمتروك التسمية عمدا أو سهوا ولما مات حتف أنفه لأنه سبب نزول الآية. والتحقيق أن العام الظاهر متى ورد على سبب خاص كان نصا في السبب ظاهرا باقيا على ظهوره فيما عداه. وأنه لا بد لمبيح منسي التسمية من مخصص وهو الخبر المشتمل على السؤال والجواب وادعى أن هذا عند التحقيق ليس بتخصيص بل منع لاندراج المنسي في العموم مستند بالحديث المذكور.

ويؤيد بأن العام الوارد على سبب خاص وإن قوي تناوله للسبب حتى ينتهض الظاهر فيه نصا إلا أنه ضعيف التناول لما عداه حتى ينحط من أعالي الظواهر فيه ويكتفي من معارضة ما لا يكتفى به منه لولا السبب انتهى.

ولا يخفى ما فيه لمن أحاط خبرا بما ذكره العلامة قبل. وذكر كثير من أصحابنا أن قول الشافعي عليه الرحمة مخالف للإجماع إذ لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا وإنما الخلاف بينهم في متروكها ناسيا فمذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يحرم ومذهب علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يحل ولم يختلفوا في حرمة متروك التسمية عامدا ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ رحمهم الله تعالى: إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ولو قضي القاضي بجواز بيعه لا ينفّذ لكونه مخالفا للإجماع وأن ظاهر الآية يقتضي شمولها لمتروك التسمية نسيانا إلا أن الشرع جعل الناسي ذاكرا لعذر من جهته وفي ذلك رفع للحرج فإن الإنسان كثير النسيان.

وقول بعض الشافعية عليهم الرحمة: إن التسمية لو كانت شرطا للحل لما سقط بعذر النسيان كالطهارة في باب الصلاة مفض إلى التسوية بين العمد والنسيان، وهي معهودة فيما إذا كان على الناسي هيئة مذكرة كالأكل في الصلاة والجماع في الإحرام لا فيما إذا لم يكن كالأكل في الصيام، وهنا إن لم تكن هيئة توجب النسيان وهي ما يحصل للذابح عند زهوق روح حيوان من تغير الحال فليس هيئة مذكرة بموجودة.

والحق عندي أن المسألة اجتهادية وثبوت الإجماع غير مسلم ولو كان ما كان خرقه الإمام الشافعي رحمه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>