والمصدرية والحالية والظاهر اشتمال الكتاب على التفصيل حسبما أخبر الله تعالى إلى أن حرفه أهله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لما ألقى موسى عليه السلام الألواح بقي الهدى والرحمة وذهب التفصيل لَعَلَّهُمْ أي بني إسرائيل المدلول عليهم بذكر موسى عليه السلام وإيتاء الكتاب، ولا يجوز عود الضمير على الذي بناء على الجنسية أو على ما قال الفراء لأنه لا يناسب قوله سبحانه: بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ بل كان المناسب حينئذ أن يقال: لعلهم يرحمون مثلا، والجار والمجرور متعلق بما بعده قدم لرعاية الفواصل، والمراد من اللقاء قيل الجزاء، وقيل: الرجوع إلى ملك الرب سبحانه وسلطانه يوم لا يملك أحد سواه شيئا. وعن ابن عباس المعنى كي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب.
وَهذا الذي تليت عليكم أوامره ونواهيه أي القرآن كِتابٌ عظيم الشأن لا يقادر قدره أَنْزَلْناهُ بواسطة الروح الأمين مشتملا على فوائد الفنون الدينية والدنيوية التي فصلت عليكم طائفة منها، والجملة صفة كِتابٌ وقوله سبحانه: مُبارَكٌ أي كثير الخير دينا ودنيا صفة أخرى، وإنما قدمت الأولى عليها مع أنها غير صريحة لأن الكلام مع منكري الإنزال، وجوز أن يكون هذا وما قبله خبرين عن اسم الإشارة أيضا والفاء في قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن عظم شأن الكتاب في نفسه وصفته موجب لاتباعه أي فاعملوا بما فيه أو امتثلوا أوامره وَاتَّقُوا مخالفته أو نواهيه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي لترحموا جزاء ذلك، وقيل: المراد اتقوا على رجاء الرحمة أو اتقوا ليكون الغرض بالتقوى رحمة الله تعالى.
أَنْ تَقُولُوا علة لمقدر دل عليه أَنْزَلْناهُ المذكور وهو العامل فيه لا المذكور خلافا للكسائي لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي وهو بتقدير لا عند الكوفيين أي لأن لا تقولوا وعلى حذف المضاف عند البصريين أي كراهة أن تقولوا. وقيل: يحتمل أن يكون مفعول اتَّقُوا وعليه الفراء، وأن تجعل اللام المقدرة للعاقبة أي ترتب على إنزالنا أحد القولين ترتب الغاية على الفعل فيكون توبيخا لهم على بعدهم عن السعادة، والمتبادر ما ذكر أولا أي أن تقولوا يوم القيامة لو لم ننزله إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ الناطق بالأحكام القاطع للحجة عَلى طائِفَتَيْنِ جماعتين كائنتين مِنْ قَبْلِنا وهما- كما قال ابن عباس، وغيره: اليهود، والنصارى. وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا فيما بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام.
وَإِنْ كُنَّا إن هي المخففة من أن واللام الآتية فارقة بينها وبين النافية وهي مهملة لما حققه النحاة من أن أن المخففة إذا لزمت اللام في أحد جزأيها ووليها الناسخ فهي مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر، لا ثابت ولا محذوف أي وانه كنا عَنْ دِراسَتِهِمْ أي قراءتهم لَغافِلِينَ غير ملتفتين لا ندري ما هي لأنها ليست بلغتنا فلم يمكننا أن نتلقى منها ما فيه نجاتنا ولعلهم عنوا بذلك التوحيد، وقيل: تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا إلخ لأنها عامة لجميع بني آدم لا تختلف في عصر من الأعصار. وعلى هذا حمل الآية شيخ الإسلام ثم قال:
وبهذا تبين أن معذرتهم هذه مع أنهم غير مأمورين بما في الكتابين لاشتمالهما على الأحكام المذكورة المتناولة لكافة الأمم كما أن قطع تلك المعذرة بإنزال القرآن لاشتماله أيضا عليها لا على سائر الشرائع والأحكام فقط.
أَوْ تَقُولُوا عطف على تَقُولُوا. وقرىء كلاهما بالياء على الالتفات من خطاب «فاتبعوه واتقوا» ويكون الخطاب الآتي بعد التفاتا أيضا ولا يخفى موقعه. قال القطب: إنه تعالى خاطبهم أولا بما خاطبهم ثم لما وصل إلى حكاية أقوالهم الرديئة أعرض عنهم وجرى على الغيبة كأنهم غائبون ثم لما أراد سبحانه توبيخهم بعد خاطبهم فهو