للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفات في غاية الحسن لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما أنزل عليهم لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ إلى الحق الذي هو المقصد الأقصى أو إلى ما فيه من الأحكام والشرائع لأنا أجود أذهانا وأثقب فهما فَقَدْ جاءَكُمْ متعلق بمحذوف تنبىء عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أو شرط له أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم إلخ أو إن صدقتم فيما تعدون من أنفسكم على تقدير نزول الكتاب عليكم فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بَيِّنَةٌ حجة جليلة الشأن واضحة تعرفونها لظهورها وكونها بلسانكم كائنة مِنْ رَبِّكُمْ على أن الجار متعلق بمحذوف وقع صفة بَيِّنَةٌ ويصح تعلقه بجاءكم.

وأيّا ما كان ففيه دلالة على فضلها الإضافي مع الإشارة إلى شرفها الذاتي، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ما لا يخفى من مزيد التأكيد لإيجاب الاتباع وَهُدىً وَرَحْمَةٌ عطف على بَيِّنَةٌ وتنوينهما كتنوينهما للتفخيم، والمراد بجميع ذلك القرآن، وعبر عنه بالبينة أولا إيذانا بكمال تمكنهم من دراسته وبالهدى والرحمة. ثانيا تنبيها على أنه مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة من هداية الناس ورحمتهم بل هو عين الهداية والرحمة وفي التفسير الكبير فإن قيل البينة والهدى واحد فما الفائدة في التكرير؟ قلنا: القرآن بينة فيما يعلم سمعا وهو هدى فيما يعلم سمعا وعقلا فلما اختلفت الفائدة صح هذا العطف ولا يخفى ما فيه.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن مجيء القرآن الموصوف بما تقدم موجب لغاية أظلمية من يكذبه، والمراد من الموصول أولئك المخاطبون، ووضع موضع ضميرهم بطريق الالتفات تنصيصا على اتصافهم بما في حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم وإسقاطا لهم عن رتبة الخطاب، وعبر عما جاءهم بآيات الله تعالى تهويلا للأمر. وقرىء «كذب» بالتخفيف، والجار الأول متعلق بما عنده، والثاني يحتمل ذلك وهو الظاهر.

ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا، والمعنى كذب ومعه آيات الله تعالى وَصَدَفَ عَنْها أي أعرض غير مفكر فيها كما روي عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما أو صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال، والفعل على الأول لازم وعلى الثاني متعد وهو الأكثر استعمالا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا وعيد لهم ببيان جزاء إعراضهم أو صدهم بحيث يفهم منه جزاء تكذيبهم، ووضع الموصول موضع الضمير لتحقيق مناط الجزاء سُوءَ الْعَذابِ أي العذاب السيء الشديد بِما كانُوا يَصْدِفُونَ أي بسبب ما كانوا يفعلون الصدف على التجدد والاستمرار، وهذا تصريح بما أشعر به إجراء الحكم على الموصول من علية ما في حيز الصلة له هَلْ يَنْظُرُونَ استئناف مسوق لبيان أنه لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى والإيذان بأن من الآيات ما لا فائدة للإيمان عنده مبالغة في التبليغ والإنذار وإزاحة العلل والأعذار، وهَلْ للاستفهام الإنكاري، وأنكر الرضي مجيئها لذلك وقال: إنها للتقرير في الإثبات، والجمهور على الأول، والضمير لكفار أهل مكة.

وزعم الجبائي أنه للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أي ما ينتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ لقبض أرواحهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ يوم القيامة في ظلل من الغمام حسبما أخبر وبالمعنى الذي أراد. وإلى هذا التفسير ذهب ابن مسعود: وقتادة، ومقاتل، وقيل: إتيان الملائكة لإنزال العذاب والخسف بهم. وعن الحسن إتيان الرب على معنى إتيان أمره بالعذاب. وعن ابن عباس المراد يأتي أمر ربك فيهم بالقتل، وقيل: المراد يأتي كل آياته يعني آيات القيامة والهلاك الكلي لقوله سبحانه: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ وأنت تعلم أن المشهور من مذهب السلف عدم تأويل مثل ذلك بتقدير مضاف ونحوه بل تفويض المراد منه إلى اللطيف الخبير مع الجزم بعدم إرادة الظاهر. ومنهم من يبقيه على الظاهر إلا أنه يدعي أن الإتيان الذي ينسب إليه تعالى ليس الإتيان الذي يتصف به الحادث، وحاصل ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>