للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التجوز ويكفي فيه الفرض وإن امتنع عادة كما في قوله:

أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد

فيفرض هنا حصول الصمم، والبكم، والعمى لمن وقع في هاتيك الظلمة الشديدة المطبقة، وقيل لا يبعد فقد الحواس ممن وقع في ظلمات مخوفة هائلة إذ ربما يؤدي ذلك إلى الموت فضلا عن ذلك، ويؤيد كونها تتمته قراءة ابن مسعود حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم- «صما وبكما وعميا» - بالنصب فإن الأوصاف حينئذ تحتمل أن تكون مفعولا ثانيا لترك وفي ظلمات متعلقا به أو في موضع الحال، ولا يُبْصِرُونَ حالا أو منصوبة على الحال من مفعول تركهم متعديا لاثنين أو لواحد أو منصوبة بفعل محذوف أعني أعني، والقول بأنها منصوبة على الحال من ضمير لا يُبْصِرُونَ جهل بالحال، وقريب منه في الذم من نصب على الذم إذ ذاك إنما يحسن حيث يذكر الاسم السابق، وأما جعل هذه الجملة على القراءة المشهورة دعائية وفيها إشارة إلى ما يقع في الآخرة من قوله تعالى:

وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا [الإسراء: ٩٧] فنسأل الله تعالى العفو والعافية من ارتكاب مثله ونعوذ به من عمى قائله وجهله، ومثله- بل أدهى وأمر- القول بأن جملة لا يَرْجِعُونَ كذلك ومتعلق- لا يرجعون- محذوف أي لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، وقد لا يقدر شيء ويترك على الإطلاق.

والوجهان الأولان مبنيان على أن وجه التشبيه في التمثيل مستنبط من أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا إلخ والأخير على تقدير أن يكون من ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ إلخ بأن يراد به أنهم غب الإضاءة خبطوا في ظلمة وتورطوا في حيرة، فالمراد هنا أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكاناتهم لا يبرحون ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون، وكيف يرجعون إلى حيث ابتدؤوا منه، والأعمى لا ينظر طريقا وأبكم لا يسأل عنها وأصم لا يسمع صوتا من صوب مرجعه فيهتدي به؟ والفاء للدلالة على أن اتصافهم بما تقدم سبب لتحيرهم واحتباسهم كيف ما كانوا.

«ومن البطون» - صم «آذان أسماع أرواحهم عن أصوات الوصلة وحقائق إلهام القربة- بكم- عن تعريف علل بواطنهم عند أطباء القلوب عجبا- عمي- عن رؤية أنوار جمال الحق في سيماء أوليائه: وقال سيدي الجنيد قدس سره: صموا عن فهم ما سمعوا وأبكموا عن عبارة ما عرفوا وعموا عن البصيرة فيما إليه دعوا.

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ شروع في تمثيل لحالهم إثر تمثيل وبيان لكل دقيق منها وجليل فهم أئمة الكفر الذين تفننوا فيه وتفيؤوا ظلال الضلال بعد أن طاروا إليه بقدامى النفاق وخوافيه فحقيق أن تضرب في بيداء بيان أحوالهم الوخيمة خيمة الأمثال وتمد أطناب الاطناب في شرح أفعالهم ليكون أفعى لهم ونكالا بعد نكال وكل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لا بد أن يوفى فيه حق كل من مقال الأطناب والإيجاز فماذا عسى أن يقال فيما بلغ الذروة العليا من البلاغة والبراعة والإعجاز. ولقد نعى سبحانه عليهم في هذا التمثيل تفاصيل جناياتهم العديمة المثيل وهو معطوف على الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ويكون النظم كمثل ذوي صيب (١) فيظهر مرجع ضمير الجمع فيما بعد وتحصل الملاءمة للمعطوف عليه والمشبه. وأو عند ذوي التحقيق لأحد الأمرين ويتولد منه في الخبر الشك والإبهام


(١) ذكر مولانا الساليكوتي أن ذوي مقدر والكاف من كصيب زائدة لدخول مثل الأول عليها حكما ولا تقدير، ونقل عن الرضى أن من مواقع زيادة الكاف دخول لفظ مثل عليه وزيادة حرف أهون من تقدير اسم لا سيما إذا رجحه قرب المعطوف عليه فتأمل وتدبر اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>