الدخول والمجيء والمسح في بعض- البلد والليلة، والمنديل- ولا يخفى أن كون مثل ذلك حقيقة ليس على إطلاقه، والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر ومِنَ تعليلية تغني غناء اللام في المفعول له وتدخل على الباعث المتقدم والغرض المتأخر وهي متعلقة ب يَجْعَلُونَ وتعلقها بالموت بعيد- أي يجعلون- من أجل الصواعق وهي جمع صاعقة ولا شذوذ، والظاهر أنها في الأصل صفة من الصعق وهو الصراخ وتاؤها للتأنيث إن قدرت صفة لمؤنث أو للمبالغة إن لم تقدر- كراوية- أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية- كحقيقة- وقيل: إنها مصدر كالعافية والعاقبة وهي اسم لكل هائل مسموع أو مشاهد، والمشهور أنها الرعد الشديد معه قطعة من نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه، وقد يكون معه جرم حجري أو حديدي، وسد الآذان إنما ينفع على المعنى الأول، وقد يراد المعنى الثاني ويكون في الكلام إشارة إلى مبالغة أخرى في فرط دهشتهم حيث يظنون ما لا ينفع نافعا، وقرأ الحسن من الصواقع وهي لغة بني تميم كما في قوله:
ألم تر أن المجرمين أصابهم ... صواقع لا بل هن فوق الصواقع
وليس من باب القلب على الأصح إذ علامته كون أحد البناءين فائقا للآخر ببعض وجوه التصريف والبناءان هنا مستويان في التصرف. وحَذَرَ الْمَوْتِ نصب على العلة ل يَجْعَلُونَ
وإن كان من الصواعق في المعنى مفعولا له كان هناك نوعان منصوب ومجرور، ولزوم العطف في مثله غير مسلم خلافا لمن زعمه ولا مانع من أن يكون علة له مع علته كما أن من الصواعق علة له نفسه، وورد مجيء المفعول له معرفة وإن كان قليلا كما في قوله:
وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
وجعله مفعولا مطلقا لمحذوف أي يحذرون- حذر الموت- بعيد. وقرأ قتادة والضحاك وابن أبي ليلى- حذار- وهو كحذر شدة الخوف. والموت في المشهور زوال الحياة عما يتصف بها بالفعل وإطلاقه على العدم السابق في قوله سبحانه: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [البقرة: ٢٨] مجاز ولا يرد قوله تعالى: خَلَقَ الْمَوْتَ [الملك: ٢] إذ الخلق فيه بمعنى التقدير وتعيين المقدار بوجه ما وهو مما يوصف به الموجود والمعدوم لأن العدم كالوجود له مدة ومقدار معين عنده تعالى، وقيل: المراد بخلق الموت إحداث أسبابه، وقيل: إنه العدم مطلقا وإن لم يكن مخلوقا إلا أن إعدام الملكات مخلوقة لما فيها من شائبة التحقق بمعنى أن استعداد الموضوع معتبر في مفهومها وهو أمر وجودي فيجوز أن يعتبر تعلق الخلق والإيجاد باعتبار ذلك، وصحح محققو أهل السنة أن الموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة، ولهذا يظهر كما
في الحديث «يوم تتجسد المعاني- كما قال أهل الله تعالى- بصورة كبش أملح»
ويصير عدما محضا إذ يذبح بمدية الحياة التي لا ينتهي أمدها وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط المحيط فإحاطته تعالى به مجاز تشبيها لحال قدرته الكاملة التي لا يفوتها المقدور أصلا بإحاطة المحيط بالمحاط بحيث لا يفوته فيكون في الإحاطة استعارة تبعية وإن شبه حاله تعالى- وله المثل الأعلى- معهم بحال المحيط مع المحاط بأن تشبه هيئة منتزعة من عدة أمور بمثلها كان هناك استعارة تمثيلية لا تصرف في مفرداتها إلا أنه صرح بالعمدة منها وقدر الباقي فافهم. وجوز أبو علي في مُحِيطٌ أن يكون بمعنى مهلك كما في قوله تعالى:
وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [البقرة: ٨١] أو عالم علم مجازاة كما في قوله تعالى: وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ [الجن: ٢٨] وكل هذا من الظاهر، ولأهل الشهود كلام- من ورائه محيط- والواو اعتراضية لا عاطفة ولا حالية والجملة معترضة بين جملتين من قصة واحدة وفيها تتميم للمقصود من التمثيل بما تفيده من المبالغة لأن- الكافرين- وضع موضع الضمير وعبر به إشعارا باستحقاق ذوي الصيب ذلك العذاب لكفرهم فيكون الكلام على حد قوله تعالى: ثَلُ ما