للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأديان بَعْدَ إِصْلاحِها أي إصلاح الله تعالى لها وخلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق ومصالح المكلفين وبعث فيها الأنبياء بما شرعه من الأحكام وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أي ذوي خوف من الرد لقصوركم عن أهلية الإجابة وطمع في إجابته تفضلا منه، وقيل: خوفا من عقابه وطمعا في جزيل ثوابه.

وقال ابن جريج: المعنى خوف العدل وطمع الفضل. وعن عطاء خوفا من الميزان وطمعا في الجنان. وأصل الخوف انزعاج القلب لعدم أمن الضرر، وقيل: توقع مكروه يحصل فيما بعد، والطمع توقع محبوب يحصل به، ونصبهما على الحالية كما أشير إليه.

وجوز أن يكون على المفعولية لأجله. قيل: ولما كان الدعاء من الله تعالى بمكان كرره وقيده أولا بالأوصاف الظاهرة وآخرا بالأوصاف الباطنة، وقيل: الأمر السابق من قبيل بيان شرط الدعاء والثاني من قبيل بيان فائدته، وقيل: لا تكرار فما تقدم أمر بالدعاء بمعنى السؤال وهذا أمر بالدعاء بمعنى العبادة، والمعنى اعبدوه جامعين في أنفسكم الخوف والرجاء في عبادتكم القلبية والقالبية وهو كما ترى، ومن الناس من أبقى الدعاء على المعنى الظاهر وعمم في متعلق الخوف والطمع، والمعنى عنده ادعوه وأنتم جامعون في أنفسكم الخوف والرجاء في أعمالكم كلها، وليس بشيء والمختار عند جلة المفسرين ما تقدم.

إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أعمالهم، ومن الإحسان في الدعاء أن يكون مقرونا بالخوف والطمع، وقد كثر الكلام في توجيه تذكير قَرِيبٌ مع أنه صفة مخبر بها عن المؤنث، وقد نقل ابن هشام في ذلك وجوها ذاكرا ما لها وما عليها. الأول أن الرحمة في تقدير الزيادة والعرب قد تزيد المضاف قال سبحانه وتعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: ١] أي سبح ربك ألا ترى أنه يقال في التسبيح سبحان ربي ولا يقال سبحان اسم ربي والتقدير إن الله تعالى قريب فالخبر في الحقيقة عن الاسم الأعظم، وتعقبه بأن هذا لا يصح عند علماء البصرة لأن الأسماء لا تزاد في رأيهم وإنما تزاد الحروف، ومعنى الآية عندهم نزه أسماء ربك عما لا يليق بها فلا تجر عليه سبحانه اسما لا يليق بكماله أو اسما غير مأذون فيه فلا زيادة، والثاني أن ذلك على حذف مضاف أي إن مكان رحمة الله تعالى قريب فالإخبار إنما هو عن المكان وهو مذكر، ونظير ذلك

قوله صلّى الله عليه وسلّم مشيرا إلى الذهب والفضة «إن هذين حرام»

فإن الإخبار بالمفرد لأن التقدير أن استعمال هذين. وقول حسان:

يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل

فإنه بتقدير ماء بردى فلذا قال: يصفق بالتذكير مع أن بردى مؤنث. وتعقب بأن هذا المضاف بعيد جدا لا قريب والأصل عدم الحذف والمعنى مع تركه أحسن منه مع وجوده. والثالث أنه على حذف الموصوف أي شيء قريب كما قال الشاعر:

قامت تبكيه على قبره ... من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدار ذا غربة ... قد ذل من ليس له ناصر

أي شخصا ذا غربة. وعلى ذلك يخرج قول سيبويه قولهم: امرأة حائض أي شخص ذو حيض. وقول الشاعر أيضا:

فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت صديق

وتعقب بأنه أشد ضعفا من سابقه لأن تذكير صفة المؤنث باعتبار إجرائها على موصوف مذكر محذوف شاذ ينزع كلام الله تعالى عنه، على أنه لا فصاحة في قولك: رحمة الله شيء قريب ولا لطافة بل هو عند ذي الذوق كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>