للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسين سنة. وقيل: وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة. وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة.

وبعث- كما روى ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة- من الجزيرة. وهو أول نبي عذب الله تعالى قومه. وقد لقي منهم ما لم يلقه نبي من الأنبياء عليهم السلام.

واختلف في عموم بعثته عليه السلام ابتداء مع الاتفاق على عمومها انتهاء حيث لم يبق بعد الطوفان سوى من كان معه في السفينة، ولا يقدح القول بالعموم في كون ذلك من خواص نبينا صلّى الله عليه وسلّم لأن ما هو من خواصه عليه الصلاة والسلام عموم البعثة لكافة الثقلين الجن والإنس. وذلك مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة فيكفر منكره بل وكذا الملائكة كما رجحه جمع محققون كالسبكي ومن تبعه وردوا على من خالف ذلك وصريح آية لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١] إذ العالم ما سوى الله تعالى، وخبر مسلم وأرسلت إلى الخلق كافة يؤيد ذلك بل قال البارزي:

إنه صلّى الله عليه وسلّم أرسل حتى للجمادات بعد جعلها مدركة.

وفائدة الإرسال للمعصوم وغير المكلف طلب إذعانهما لشرفه ودخولهما تحت دعوته واتباعه تشريفا على سائر المرسلين ولا كذلك بعثة نوح عليه السلام: والفرق مثل الصبح ظاهر. وهو- كما في القاموس- اسم أعجمي صرف لخفته، وجاء عن ابن عباس، وعكرمة، وجوبير، ومقاتل أنه عليه السلام إنما سمي نوحا لكثرة ما ناح على نفسه.

واختلف في سبب ذلك فقيل: هو دعوته على قومه بالهلاك. قيل مراجعته ربه في شأن ابنه كنعان: وقيل: إنه مر بكلب مجذوم فقال له: اخسأ يا قبيح. فأوحى الله إليه أعبتني أم عبت الكلب. وقيل: هو إصرار قومه على الكفر فكان كلما دعاهم وأعرضوا بكى وناح عليهم. قيل: وكان اسمه قبل السكن لسكون الناس إليه بعد آدم عليه السلام. وقيل: عبد الجبار، وأنا لا أعول على شيء من هذه الأخبار والمعول عليه عندي ما هو الظاهر من أنه اسم وضع له حين ولد، وليس مشتقا من النياحة. وأنه كما قال صاحب القاموس فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحده، وترك التقييد به للإيذان بأنها العبادة حقيقة وأما العبادة مع الإشراك فكلا عبادة ولدلالة قوله سبحانه وتعالى: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ أي مستحق للعبادة غَيْرُهُ عليه، وهو استئناف مسوق لتعليل العبادة المذكورة أو الأمر بها ومِنْ صلة وغَيْرُهُ بالرفع- وهي قراءة الجمهور- صفة إِلهٍ أو بدل منه باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء أو الفاعلية.

وقرأ الكسائي بالجر باعتبار لفظه، وقرىء شاذا بالنصب على الاستثناء، وحكم غير- كما في المفصل- حكم الاسم الواقع بعد إلا وهو المشهور أي ما لكم إله إلا إياه كقوله: ما في الدار أحد إلا زيدا وغير زيدا، وإِلهٍ أن جعل مبتدأ- فلكم- خبره أو خبره محذوف ولَكُمْ للتخصيص والتبيين أي ما لكم في الوجود أو في العالم إله غير الله تعالى إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ إن لم تعبدوا حسبما أمرت به. وتقدير إن لم تؤمنوا لما أن عبادته سبحانه وتعالى تستلزم الإيمان به وهو أهم أنواعها وإنما قال عليه السلام: أَخافُ ولم يقطع حنوا عليهم واستجلابا لهم بلطف.

عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هو يوم القيامة أو يوم الطوفان لأنه أعلم بوقوعه إن لم يمتثلوا، والجملة- كما قال شيخ الإسلام- تعليل للعبادة ببيان الصارف عن تركها أثر تعليلها ببيان الداعي إليها، ووصف اليوم بالعظم لبيان عظم ما يقع فيه وتكميل الإنذار قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية قوله عليه السلام ونصحه لقومه كأنه قيل: فماذا قالوا بعد ما قيل لهم ذلك؟ فقيل: قال إلخ. والملأ- على ما قال الفراء- الجماعة من الرجال خاصة.

وفسره غير واحد بالإشراف الذين يملؤون القلوب بجلالهم والأبصار بجمالهم والمجالس بأتباعهم، وقيل: سموا ملأ

<<  <  ج: ص:  >  >>