للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ إنكار واستقباح لإنكارهم مجيئه عليه السلام داعيا لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام.

والأسماء عبارة عن تلك الأصنام الباطلة. وهذا كما يقال لما لا يليق ما هو إلا مجرد اسم. والمعنى أتخاصمونني في مسميات وضعتم لها أسماء لا تليق بها فسميتموها آلهة من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيء ما لأن المستحق للمعبودية ليس إلا من أوجد الكل وهي بمعزل عن إيجاد ذرة وأنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل وذلك قوله تعالى: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي حجة ودليل وحيث لم يكن ذلك في حيز الإمكان تحقق بطلان ما هم عليه. والذم الذي يفهمه الكلام متوجه إلى التسمية الخالية عن المعنى المشحونة بمزيد الضلالة والغواية والافتراء العظيم، وقيل: إنهم سموها خالقة ورازقة ومنزلة المطر ونحو ذلك. والضمير المنصوب في سَمَّيْتُمُوها راجع لأسماء وهو- على ما قيل- المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف حسبما أشير إليه. وقيل: المفعول الأول محذوف والضمير هو المفعول الثاني والمراد سميتم أصنامكم بها.

وقيل: المراد من سميتموها وصفتموها فلا حاجة له إلى مفعولين، وحمل الآية على ما ذكر أولا في تفسيرها هو الذي اختاره جمع وجوز بعضهم أن يكون الكلام على حذف مضاف أي أتجادلونني في ذوي أسماء.

وادعى آخرون جواز أن يكون فيه صنعة الاستخدام. واستدل بالآية من قال إن الاسم عين المسمى. ومن قال: إن اللغات توقيفية إذ لو لم تكن كذلك لم يتوجه الإنكار والإبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله تعالى بها سلطانا، ولا يخفى عليك ما في ذلك من الضعف. فَانْتَظِرُوا نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم: «فأتنا بما تعدنا» لما وضح الحق وأنت مصرون على العناد والجهالة إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لنزوله بكم. والفاء في «فانتظروا» للترتيب على ما تقدم وفي قوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ فصيحة أي فوقع ما وقع فأنجيناه وَالَّذِينَ مَعَهُ أي متابعيه في الدين بِرَحْمَةٍ عظيمة لا يقادر قدرها مِنَّا أي من جهتنا والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع نعتا لرحمة مؤكدا لفخامتها على ما تقدم غير مرة وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كناية عن الاستئصال. والدابر الآخر أي أهلكناهم بالكلية ودمرناهم عن آخرهم. واستدل به بعضهم على أنه لا عقب لهم.

ما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كَذَّبُوا داخل معه في حكم الصلة أي أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعووا عن ذلك أصلا. وفائدة هذا النفي عند الزمخشري التعريض بمن آمن منهم. وبيانه- على ما قال الطيبي- إنه إذا سمع المؤمن أن الهلاك اختص بالمكذبين وعلم أن سبب النجاة هو الإيمان تزيد رغبته فيه ويعظم قدره عنده، ونظيره في اعتبار شرف الإيمان الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ [غافر: ٧] الآية، وقال بعضهم: فائدة ذلك بيان أنه كان المعلوم من حالهم أنه سبحانه لو لم يهلكهم ما كانوا ليؤمنوا كما قال جل شأنه في آية أخرى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا [يونس: ١٣] فهو كالعذر عن عدم إمهالهم والصبر عليهم.

وسر تقديم حكاية الإنجاء على حكاية الإهلاك يعلم مما تقدم. وقصتهم- على ما ذكره السدي ومحمد بن إسحاق. وغيرهما- أن عادا قوم كانوا بالأحقاف وهي رمال بين عمان وحضرموت وكانوا قد فشوا في الأرض كلها وقهروا أهلها وكانت لهم أصنام يعبدونها وهي: صداء، وصمود، والهباء فبعث الله تعالى إليهم هودا عليه السلام نبيا وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فأمرهم بالتوحيد والكف عن الظلم فكذبوه وازدادوا عتوا وتجبرا وقالوا: من أشد

<<  <  ج: ص:  >  >>