للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منا قوة فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذ ذاك إذا نزل بهم بلاء طلبوا رفعه من الله تعالى عند بيته الحرام مسلمهم ومشركهم، وأهل مكة يومئذ العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وسيدهم معاوية بن بكر وكانت أمه كهلدة من عاد فجهزت عاد إلى الحرم من أماثلهم سبعين رجلا منهم قيل بن عنز ولقيم بن هزال، ولقمان بن عاد الأصغر، ومرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه، وجلهمة خال معاوية بن بكر فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية وكان خارجا من الحرم فأنزلهم وأكرمهم إذ كانوا أحواله وأصهاره فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة والأخرى جرادة ويقال لهما: الجرادتان على التغليب فلما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا له شق ذلك عليه وقال: هلك أصهاري وأخوالي وهؤلاء على ما هم عليه وكان يستحي أن يكلمهم خشية أن يظنوا به ثقل مقامهم عنده فشكا ذلك لقينتيه فقالتا: هل شعرا نغنيهم به ولا يدرون من قاله لعل ذلك أن يحركهم فقال:

ألا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما

فتسقى أرض عاد إن عادا ... قد أمسوا ما يبينون الكلاما

من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عياما

وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما

وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما

فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما

فلما غنتا بذلك قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم فقال مرثد بن سعد: والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إلى ربكم سقيتم فأظهر إسلامه عند ذلك وقال:

عصت عاد رسولهم فأمسوا ... عطاشا ما تبلهم السماء

لهم صنم يقال له صمود ... يقابله صداء والهباء

فبصرنا الرسول سبيل رشد ... فأبصرنا الهدى وخلا العماء

وإن إله هود هو إلهي ... على الله التوكل والرجاء

فقالوا لمعاوية: أحبسن عنا مرثدا فلا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة يستسقون فخرج مرثد من منزل معاوية حتى أدركهم قبل أن يدعوا بشيء مما خرجوا له فلما انتهى إليهم قام يدعو الله تعالى ويقول: اللهم سؤلي وحدي فلا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل رأس الوفد فدعا وقال: اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم: اللهم أعط قيلا ما سألك واجعل سؤلنا مع سؤله فأنشأ الله تعالى سحائب ثلاثا بيضاء، وحمراء، وسوداء ثم نادى مناد من السماء: يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت قيل وكذلك يفعل الله تعالى بمن دعاه إذ ذاك فقال قيل: اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء. فناداه مناد اخترت رمادا رمدا لا تبقي من آل عاد أحدا وساق الله تعالى تلك السحابة بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا فجاءتهم منا ريح عقيم، وأول من رأى ذلك امرأة منهم يقال لها مهدر ولما رأته صفقت فلما أفاقت قالوا: ما رأيت قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها

<<  <  ج: ص:  >  >>