للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين قاتل علي كرم الله تعالى وجهه وقد أخبر صلّى الله عليه وسلّم بذلك عليا رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه.

وعندي أن أشقى الآخرين أشقى من أشقى الأولين. والفرق بينهما كالفرق بين علي كرم الله تعالى وجهه والناقة. وقد أشارت الأخبار بل نطقت بأن قاتل الأمير كان مستحلا قتله بل معتقدا الثواب عليه وقد مدحه أصحابه على ذلك فقال عمران بن حطان غضب الله تعالى عليه:

يا ضربة من تقى ما أراد بها ... ألا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا

ولله در من قال:

يا ضربة من شقي أوردته لظى ... فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا

كأنه لم يرد شيئا بضربته ... إلا ليصلى غدا في الحشر نيرانا

إني لأذكره يوما فألعنه ... كذاك ألعن عمران بن حطانا

وكون فعله كان عن شبهة تنجيه مما لا شبهة في كونه ضربا من الهذيان ولو كان مثل تلك الشبهة منجيا من عذاب مثل هذا الذنب فليفعل الشخص ما شاء سبحانك هذا بهتان عظيم. وقد ضربت بقدار عاقر الناقة الأمثال، وما ألطف قول عمارة اليمني:

لا تعجبا لقدار ناقة صالح ... فلكل عصر ناقة وقدار

وفي هذه القصة روايات أخر تركناها اقتصارا على ما تقدم لأنه أشهر وَلُوطاً نصب بفعل مضمر أي أرسلنا معطوف على ما سبق أو به من غير حاجة إلى تقدير، وإنما لم يذكر المرسل إليهم على طرز ما سبق وما لحق لأن قومه- على ما قيل- لم يعهدوا باسم معروف يقتضي الحال ذكره عليه السلام مضافا إليهم كما في القصص من قبل ومن بعد وهو ابن هاران بن تارخ. وابن إسحاق ذكر بدل تاريخ آزر وأكثر النسابين على أنه عليه السلام ابن أخي إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم ورواه في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن صرد أن أبا لوط عليه السلام عم إبراهيم عليه السلام، وقيل: إن لوطا كان ابن خالة إبراهيم وكانت سارة زوجته أخت لوط وكان في أرض بابل من العراق مع إبراهيم فهاجر إلى الشام ونزل فلسطين وأنزل لوطا الأردن وهو كرة بالشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وهي بلدة بحمص.

وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس قال: أرسل لوط إلى المؤتفكات وكانت قرى لوط أربع مدائن سدوم، وأمورا، وعامورا، وصبوير وكان في كل قرية مائة ألف مقاتل وكانت أعظم مدائنهم سدوم وكان لوط يسكنها وهي من بلاد الشام ومن فلسطين مسيرة يوم وليلة، وهذا اللفظ- على ما قال الزجاج- اسم أعجمي غير مشتق ضرورة أن العجمي لا يشتق من العربي وإنما صرف لخفته بسكون وسطه، وقيل: إنه مشتق من لطت الحوض إذا ألزقت عليه الطين، ويقال: هذا لوط بقلبي من ذلك أي ألصق به ولاط الشيء أخفاه. وقوله تعالى: إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ ظرف لأرسلنا كما قال غير واحد. واعترض بأن الإرسال قبل وقت القول لا فيه كما تقتضيه هذه الظرفية، ودفع بأنه يعتبر الظرف ممتدا كما يقال زيد في أرض الروم فهو ظرف غير حقيقي يعتبر وقوع المظروف في بعض أجزائه كما قرره القطب، وجوز أن يكون لُوطاً منصوبا با ذكر محذوفا فيكون من عطف القصة على القصة، وإِذْ بدل من لوط بدل اشتمال بناء على أنها لا تلزم الظرفية، وقال أبو البقاء: إنه ظرف الرسالة محذوفا أي واذكر رسالة لوط إذ قال:

أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ استفهام على سبيل التوبيخ والتقريع أي أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت أقصى القبح وغايته

<<  <  ج: ص:  >  >>