للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أي ما عملها أحد قبلكم في زمن من الأزمان فالباء للتعدية كما في الكشاف من قولك: سبقته بالكرة (١) إذا ضربتها قبله، ومنه ما صح من

قوله صلّى الله عليه وسلّم «سبقك بها عكاشه»

وتعقبه ابن حيان بأن معنى التعدية هنا قلق جدا لأن الباء المعدية في الفعل المعدي إلى واحد تجعل المفعول الأول يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة فإذا قلت: صككت الحجر بالحجر كان معناه أصككت الحجر الحجر أي جعلت الحجر يصك الحجر وكذلك دفعت زيدا بعمرو عن خالد معناه أدفعت زيدا عمرا عن خالد أي جعلت زيدا يدفع عمرا عن خالد فللمفعول الأول تأثير في الثاني ولا يصح هذا المعنى فيما ذكر إلا بتكلف فالظاهر أن الباء للمصاحبة أي ما سبقكم أحد مصاحبا وملتبسا بها، ودفع بأن المعنى على التعدية، ومعنى سبقته بالكرة أسبقت كرتي كرته لأن السبق بينهما لا بين الشخصين أو الضربين وكذا في الآية ومثله يفهم من غير تكلف، وقال القطب الرازي: إن المعنى سبقت ضربه الكرة بضربي الكرة أي جعلت ضربي الكرة سابقا على ضربه الكرة. ثم استظهر جعل الباء للظرفية لعدم احتياجه إلى ما يحتاجه جعلها للتعدية أي ما سبقكم في فعل الفاحشة أحد ولعل الأمر كما قال، ومِنْ الأولى صلة لتأكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض، والجملة مستأنفة استئنافا نحويا مسوقة لتأكيد النكير وتشديد التقريع والتوبيخ، وجوز أن يكون بيانا كأنه قيل: لم لا نأتيها؟ فقال: ما سبقكم بها أحد فلا تفعلوا ما لم تسبقوا إليه من المنكرات لأنه أشد، ولا يتوهم أن سبب إنكار الفاحشة كونها مخترعة ولولاه لما أنكرت إذ لا مجال له بعد كونها فاحشة. ووجه كون هذه الجملة مؤكدة للنكير أنها مؤذنة باختراع السوء ولا شك أن اختراعه أسوأ إذ لا مجال للاعتذار عنه كما اعتذروا عن عبادتهم الأصنام مثلا بقولهم: إنا وجدنا آباءنا.

وجوز أبو البقاء كون الجملة في موضع الحال من المفعول أو الفاعل، والنيسابوري جوز كونها صفة للفاحشة على حد:

ولقد أمر على اللئيم يسبني ورد بأن الفاحشة هنا متعينة دون اللئيم، وكيفما كان فالمراد من نفي سبق أحد بها إياهم كونهم سابقين بها كل أحد ممن عداهم من العالمين لا مساواتهم الغير بها فقد أخرج البيهقي وغيره عن عمرو بن دينار قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط، والذي حملهم على ذلك- كما أخرج ابن عساكر. وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- أنهم كانت لهم ثمار في منازلهم وحوائطهم وثمار خارجة على ظهر الطريق وأنهم أصابهم قحط وقلة من الثمار فقال بعضهم لبعض: إنكم إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة من أبناء السبيل كان لكم فيها عيش قالوا: بأي شيء نمنعها؟

قالوا: اجعلوا سنتكم أن تنكحوا من وجدتم في بلادكم غريبا وتغرموه أربعة دراهم فإن الناس لا يظهرون ببلادكم إذا فعلتم ذلك ففعلوه واستحكم فيهم. وفي بعض الطرق أن إبليس عليه اللعنة جاءهم عند ذكرهم ما ذكروا في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جرؤوا على ذلك. وجاء من رواية ابن أبي الدنيا عن طاوس أن قوم لوط إنما أتوا أولا النساء في أدبارهن ثم أتوا الرجال. وفي قوله: مِنَ الْعالَمِينَ دون من الناس مبالغة لا تخفى.

وقوله سبحانه: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ يحتمل الاستئناف البياني والنحوي وهو مبين لتلك الفاحشة، والإتيان هنا بمعنى الجماع، وقرأ ابن عامر. وجماعة أإنكم بهمزتين صريحتين، ومنهم من قرأ بتليين الثانية بغير مد، ومنهم من مد وهو حينئذ تأكيدا للإنكار السابق وتشديد للتوبيخ، وفي الإتيان بأن واللام مزيد تقبيح وتقريع كأن ذلك أمر لا


(١) قوله كرة بخطه والصواب كورة وهي معروفة حاكمها الآن الأمير عبد الله بوساطة الانكليز.

<<  <  ج: ص:  >  >>