للسائل عنه. وكثير ممن انتسب إلى أهل العلم اليوم مبتلون بهذا البخس وليتهم قنعوا به بل جمعوا حشفا وسوء كيلة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبدأ عليه السلام بذكر هذه الواقعة- على ما قال الإمام- لأن عادة الأنبياء عليهم السلام أنهم إذا رأوا قومهم مقبلين على نوع من أنواع المفاسد إقبالا أكثر من إقبالهم على سائر الأنواع بدؤوا بمنعهم عن ذلك النوع، وكان قومه عليه السلام مشغولين بالبخس والتطفيف أكثر من غيره، والمراد من الناس ما يعمهم وغيرهم أي لا تبخسوا غيركم ولا يبخس بعضكم بعضا وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالجور أو به وبالكفر بَعْدَ إِصْلاحِها أي إصلاح أمرها أو أهلها بالشرائع، فالإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله بحذف المضاف، والفاعل الأنبياء وأتباعهم.
وجوز أن لا يقدر مضاف ويعتبر التجوز في النسبة الإيقاعية لأن إصلاح من في الأرض إصلاح لها، وأن تكون الإضافة من إضافة المصدر إلى الفاعل على الإسناد المجازي للمكان، وأن تكون على معنى في أي بعد إصلاح الأنبياء فيها. ويأبى الحمل على الظاهر لأن الإصلاح يتعلق بالأرض نفسها كتعميرها وإصلاح طرقها لا تفسدوا في الأرض ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، وأيا ما كان فإفراد اسم الإشارة وتذكيره ظاهر.
ومعنى الخيرية إما الزيادة مطلقا أو في الإنسانية وحسن الأحدوثة وما يطلبونه من التكسب والتربح لأن الناس إذا عرفوهم بالأمانة رغبوا في معاملتهم ومتاجرتهم، وقيل: ليس المراد من خَيْرٌ هنا معنى الزيادة لأنه ليس للتفضيل بل المعنى ذلكم نافع لكم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قيل: المراد بالإيمان معناه اللغوي، وتخص الخيرية بأمر الدينا أي إن كنتم مصدقين لي في قولي، ومثل هذا الشرط- على ما قال الطيبي- إنما يجاء به في آخر الكلام للتأكيد، ويعلم من هذا أن شعيبا عليه السلام كان مشهورا عندهم بالصدق والأمانة كما كان نبينا صلّى الله عليه وسلّم مشهورا عند قومه بالأمين، وقال بعض الذاهبين إلى ما ذكر: إن تعليق الخيرية على هذا التصديق بتأويل العلم بها وإلا فهو خير مطلقا.
وقال القطب الرازي: إن ذلك ليس شرطا للخيرية نفسها بل لفعلهم كأنه قيل: فأتوا بهم إن كنتم مصدقين بي فلا يرد أنه لا توقف للخيرية في الإنسانية على تصديقهم به. قيل: المراد به مقابل الكفر وبالخيرية ما يشمل أمر الدنيا والآخرة أي ذلكم خير لكم في الدارين بشرط أن تؤمنوا، وشرط الإيمان لأنّ الفائدة من حصول الثواب مع النجاة من العقاب ظاهرة مع الإيمان خفية مع فقده للانغماس في غمرات الكفر، وبنى بعضهم نفع ترك البخس ونحوه في الآخرة على أن الكفار يعذبون على المعاصي كما يعذبون على الكفر فيكون الترك خيرا لهم بلا شبهة لكن لا يخفى أنه إذا فسر الإفساد في الأرض بالإفساد فيها بالكفر لا يكون لهذا التعليق على الإيمان معنى كما لا يخفى، وإخراجه من حيز الإشارة بعيد جدا.
وزعم الخيالي أن الأظهر أن ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ معترضة والشرط متعلق بما سبق من الأوامر والنواهي، وكأنه التزم ذلك لخفاء أمر الشرطية عليه. وقد فر من هرة وقع في أسد وهرب من القطر ووقف تحت الميزاب فاعتبروا يا أولي الألباب.
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ أي طريق من الطرق الحسية تُوعِدُونَ أي تخوفون من آمن بالقتل كما نقل عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، وروي عن ابن عباس أن بلادهم كانت يسيرة وكان الناس يمتارون منهم فكانوا يقعدون على الطريق ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا ويقولون لهم: إنه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم.
ويجوز أن يكون القعود على الصراط خارجا مخرج التمثيل كما فيما حكي عن قول الشيطان: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف: ١٦] أي ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين كالشيطان، وإليه يشير ما روي عن مجاهد أيضا. والكلية مع أن دين الله الحق واحد باعتبار تشعبه إلى معارف وحدود. وأحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يشرع